طرح انتخاب رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا صورة لطبيعة الانقسام في المشهد السياسي الليبي، فرغم أن النتائج لمتحمل أي جديد لكنها رسمت مشهدا قاتما للبنية السياسية في الغرب الليبي.
الانتخابات التي انتهت بفوز خالد المشري، الرئيس السابق للمجلس، بفارق صوت واحد على منافسه تكالة، كشفت عن سياق سياسي يعكس التناقضات الحادة في الغرب الليبي، فخالد المشري يتم انتخابه للمرة السادسة، ويستعيد اليوم موقعه وسط صراع داخل المجلس مادفع تكالة إلى إيقاف الجلسة وإحالة القضية إلى القضاء.
ورغم أن الصراعات داخل المجلس ليست جديدة إلا أنها تأتي اليوم على خلفيات سياسية مرتبطة بـ”المشري” الذي فقد تمثيله للتيار الديني، فالمواقف التي ظهرت كانت في النهاية جزء من الأفق السياسي المسدود داخل البيئة السياسية في طرابلس، فالمجلس الأعلى للدولة رغم كونه “استشاريا” إلا أنه أصبح عاملا فاعلا في كافة التوازنات الخاصة في الغرب الليبي.
وفي المشهد السياسي العام، فإن انتخابات المجلس الأعلى للدولة أشعلت التوترات في ليبيا، وذلك مع اندلاع أزمة جديدة تتعلق بموقف جماعة الإخوان المسلمين من انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة.
وعلى الرغم من الخلافات بين المشري والجماعة، لكن في المقابل فإن دعم التيار الديني له لم يتبدل، والحديث يدور في طرابلس حول سيناريو تم الاتفاق عليه بين تكالة وبعض الدوائر السياسية لتعليق الجلسة وإحالة الأمر للقضاء في حال رفض المشري إعادة التصويت.
ويؤكد المشري على شرعيته كرئيس للمجلس، في حين أن الحديث عن شراء أصوات لضمان فوز تكالة في حال قررت المحكمة إعادة التصويت يتردد داخل الأوساط السياسية، ورغم أن الاتجاهات العامة في الغرب الليبي لن تتبدل مهما كان الشخص الذي يرأس المجلس الأعلى للدولة، لكن طبيعة المنافسة السياسية تبقى موجودة خصوصا مع الجذور العميقة للمشري مع الإخوان.
وتأتي هذه الأزمة في وقت حرج بالنسبة لليبيا، خصوصا مع تزايد التحركات باتجاه البحث عن مخرج سياسي لإجراء الانتخابات، وهذا ما دفع عضو المجلس آمنة مطير للتحذير من أن إعادة الجولة الانتخابية ستكون “كارثة عظمى”، حيث شددت على أن القرار النهائي يجب أن يكون وفقاً للائحة الداخلية والإجماع الذي تم التوصل إليه.
وهذا الجدل بشأن رئيس المجلس ليس بعيدا عن المسار السياسي لـ”خالد المشري”، الذي أعلن في عام 2019 انسحابه الرسمي من جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن تاريخه مع الجماعة يعود إلى سنوات طويلة.
ورغم تخلي المشري عن الانتماء الرسمي للجماعة، إلا أنه بقي محتفظا بالاتجاه السياسي العام الذي يربطه مع الجماعة وحلفاؤهم مثل تركيا وقطر، لكن الحسابات السياسية في الغرب الليبي تبقى محتفظة بمخاوفها المتعلقة بأمرين:
- الأول قدرة حكومة عبد الحميد الدبيبة منتهية الولاية على الاحتفاظ بشروطها في أي حل سياسي قادم، فسواء تم انتخاب المشري أو تكاله فإن هذا الموضوع لن يتغير لأن المرشحين يعتبران ضمن التكوين السياسي العام لكل التشكيلات السياسية في طرابلس، ويبدو الفارق الوحيد في الطموح السياسي لهما.
بالنسبة لحكومة دبيبة فهي لا تريد منافسا قويا مثل المشري رغم أنه ضمن شبكتها السياسية، وهي في نفس الوقت تسعى لمراعاة التيار الديني الواسع الذي يعتبر بالنسبة لها أساسيا، فكتلة المصالح الخاصة في طرابلس تحاول فرض شروطها حتى ولو لم يغير وجود أي رئيس داحل المجلس الأعلى للدولة من المعادلة السياسية.
- الأمر الثاني مرتبط بتعقيد التحالفات القائمة بين القوى الموجودة في الغرب الليبي، فالمسألة لا ترتبط بأن المشري أو تكالة هما جزء من الشبكة السياسية المرتبطة بالمصالح الغربية في ليبيا عموما، بل أيضا في القدرة على تقاسم تلك المصالح التي يبدو فيها المشري أقوى في مرونته السياسية وعلاقاته الخارجية.
وما حدث خلال الأسابيع الماضية كان حاسما في مسألة الميل باتجاه “تكاله” الذي انقلب على اتفاقات القاهرة، وأدى هذا الأمر لعرقلة الجهود السياسية نحو إجراء الانتخابات، ويتم استكمال المشهد اليوم من خلال التعقيد السياسي الجديد داخل المجلس الأعلى للدولة.
والعلاقة القوية التي تربط تركيا وقطر بالمشري ماتزال قائمة رغم ميل بعض المسؤولين في الدولتين لدعم تكالة، في حين تنتقد الإمارات والسعودية أداءه، ما يؤشر إلى اتجاهات إقليمية خاصة ستؤثر بالتأكيد على المسار الذي ستتخذه تلك الانتخابات بعد أن يحسم القضاء في نتائجها.
وأظهرت انتخابات المجلس الأعلى للدولة أن تحديات التوافق لا ترتبط فقط بمسألة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فعدم التوافق داخل المجلس الأعلى للدولة يشكل الأزمة العميقة في الغرب الليبي تحديدا، وليس شخصية رئيس المجلس.
وتجاوز الانقسامات الداخلية يبدأ من طرابلس التي تشهد تكوينا سياسيا متناقضا ولا يحمل معه رؤية سياسية قادرة على الأقل في تخفيف التوتر ضمن دوائرها السياسية الخاصة أولا؛ قبل البحث عن حلول سياسية عامة تجمع الليبيين على خارطة طريق تخرج البلاد من أزمتها.
بقلم مازن بلال
محللون: هناك من وضع العراقيل لباتيلي لكي لا يتم استبدال حكومة الدبيبة