شركة “سكاي مالي” دشّنت يوم الثلاثاء، أول خط جوي مباشر يربط بين العاصمة المالية باماكو والعاصمة النيجرية نيامي، بنقلة نوعية في مجال النقل الجوي الإقليمي بين دول الساحل، بعد طردهن شركة “إير فرانس”.
وجرت مراسم الانطلاق في مطار الرئيس موديبو كيتا الدولي، بحضور الإدارة العليا للشركة وأعضاء مجلس إدارتها، إلى جانب ممثلين عن هيئات الطيران الوطنية من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي الدول الثلاث المشكلة لتحالف دول الساحل (AES).
وعند وصول الطائرة إلى مطار نيامي، كان في استقبالها وفد وزاري تقدّمه الكولونيل ماجور ساليسو محمد ساليسو، وزير النقل والتجهيز في النيجر، الذي وصف الخط الجديد بأنه “محطة حاسمة في مسار تعزيز الروابط الثنائية بين مالي والنيجر”، مؤكداً رمزيته في دعم التعاون الإقليمي وبناء جسور التواصل بين شعوب المنطقة.
وفي مدينة غاو، التي استغرقت الرحلة إليها ساعة وخمساً وثلاثين دقيقة من نيامي، كان في استقبال الطائرة المحافظ وعمدة المدينة، حيث شدّدا على أن هذه المبادرة تلبّي حاجة ملحّة لدى السكان المحليين، الذين لطالما تطلعوا إلى وسيلة تنقّل أكثر راحة وأماناً بين العاصمتين.
وخلال انطلاق رحلة العودة إلى باماكو، أكدت المديرة العامة لشركة “سكاي مالي” أن المشروع يندرج ضمن رؤية شاملة تهدف إلى “تقريب الشعوب وتعزيز حركة تنقل سريعة وآمنة داخل فضاء الساحل”، وأشارت إلى أن الشركة تعمل على توسيع شبكتها لتشمل المزيد من العواصم الإفريقية، في إطار بناء منظومة طيران مستقلة وفعّالة.
وقد اختُتمت الرحلة الأولى بمراسم رسمية في مطار نيامي، تخللتها كلمات لمسؤولي “سكاي مالي” وسفارة مالي لدى النيجر، قبل أن يتشارك الضيوف لقاء ودياً في أجواء احتفالية رمزية.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تحولات جذرية تشهدها منطقة الساحل، بعد أن أوقفت “إير فرانس” رحلاتها في أعقاب طردها من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كجزء من مسار هذه الدول نحو الاستقلال عن النفوذ الفرنسي.
وقال جان فيليب ريمي، الباحث في مركز “مونتانيه” الفرنسي، إن ما تشهده منطقة الساحل اليوم هو بداية فعلية لفك الارتباط السياسي والاقتصادي مع فرنسا، مؤكداً أن “الطيران المدني لم يكن في يوم من الأيام مجرد وسيلة نقل، بل أداة استراتيجية تمارس من خلالها الدول نفوذها الجيوسياسي”.
وأوضح ريمي أن الخط الجوي الجديد بين باماكو ونيامي عبر غاو يعكس رغبة تحالف دول الساحل في تجاوز الإرث الاستعماري، وبناء بنية تحتية سيادية تعزز الترابط الإقليمي، وتقلّص الاعتماد على الشركاء التقليديين.
ومن جانبها، اعتبرت أنييس بونيو، المتخصصة في الشأن الإفريقي بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، أن تدشين الخط الجوي الجديد يُجسّد “خطوة عملية تعبّر عن استقلال القرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، وتحدّ مباشر للهياكل التقليدية التي احتكرت مجال النقل لعقود”.
وأكدت بونيو أن هذا المشروع يشكل نقلة نوعية على طريق ترسيخ السيادة الإفريقية، ويعكس دينامية جديدة داخل تحالف الساحل تهدف إلى إعادة صياغة أطر التعاون الإقليمي على أسس أكثر توازناً واستقلالية.
ومنذ تأسيسه في سبتمبر 2023، يعمل تحالف دول الساحل (AES)، على تعزيز التكامل السياسي والاقتصادي والعسكري بين أعضائه، في مواجهة العقوبات الإقليمية والقيود المفروضة على حرية التنقل إثر الانقلابات العسكرية في هذه الدول.
ويعتمد التحالف على بناء مشاريع بنية تحتية استراتيجية تحافظ على دينامية التواصل والتبادل بين شعوب المنطقة، وتكرّس مساراً متصاعداً نحو الاستقلالية الإقليمية، في ظل قطيعة متزايدة مع المؤسسات الغربية والتقليدية.
وقد عبّرت قيادات التحالف في مناسبات عديدة عن رغبتها في إعادة صياغة العلاقات الدولية على أسس سيادية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعيدة عن الإملاءات الخارجية التي لطالما عرقلت النمو الذاتي لدول الساحل.
ويأمل القائمون على مشروع “سكاي مالي” أن يكون هذا الخط الجوي مجرد البداية لسلسلة خطوط سيادية تربط دول الساحل ببعضها البعض، وتعيد رسم خريطة النقل الجوي الإفريقي بعيداً عن الهيمنة الأجنبية.
ووصف مسؤولو الشركة هذا اليوم بأنه “تاريخي”، ليس فقط من منطلق الإنجاز اللوجستي، بل باعتباره انطلاقة حقيقية لمرحلة جديدة من التكامل الإقليمي في غرب إفريقيا، تقوم على سيادة القرار والاستقلال عن البنى الاستعمارية القديمة، وبناء مستقبل نقل جوي يعتمد على الإمكانات الذاتية والرؤية المشتركة.