مالي تفقد آخر مظاهرها المدنية بعد سجن رئيس الوزراء الانتقالي السابق شوغيل كوكالا مايغا بتهم اختلاس المال العام والتآمر، ما يعكس سيطرة الجيش وانعدام الحاجة للواجهات المدنية.
ووصف تقرير لمجلة لوبوان الفرنسية اعتقال مايغا في أغسطس 2024 بأنه لم يُقرأ داخلياً وخارجياً كقضية فساد فقط، بل كمؤشر على انكشاف المرحلة الانتقالية من غطائها المدني.
والصحافة الإفريقية رأت فيه رسالة واضحة بأن أي صوت يذكّر المجلس العسكري بالطابع المدني للانتقال مصيره الإقصاء أو الملاحقة.
واعتبرت صحيفة واكات سيرا البوركينية أن “منبر الأمم المتحدة في قفص الاتهام”، مشيرة إلى أن الرجل الذي اتهم فرنسا في 2021 بـ”طعن مالي في الظهر” أصبح ضحية النظام الذي ساهم في تثبيته.
وأما موقع توغو بريس فذهب أبعد من ذلك، واصفاً القضية بأنها “انتقالية مسدودة بالسلاح أكثر من صناديق الاقتراع”.
وبحسب المجلة الفرنسية، أثار اعتقال مايغا صدمة في الداخل المالي، إذ رأت المعارضة أنه خطوة جديدة لعسكرة الحياة السياسية وإقصاء الأصوات المدنية، فيما تكمن المفارقة في أن مايغا كان أحد أعمدة المرحلة الانتقالية، ووجوده في حكومة ما بعد انقلاب 2021 منح المجلس العسكري شرعية افتقدها، لكن سقوطه اليوم يثير التساؤل: هل كان مجرد واجهة عابرة لمشروع عسكري كامل؟
والمراقبون اعتبروا أن القضية تعكس نهاية مرحلة رمزية أكثر منها سياسية، وأن العقيد أسيمي غويتا يسعى لتثبيت حكمه دون الحاجة لشركاء مدنيين، صحف من النيجر وساحل العاج التقطت البعد نفسه، إذ كتبت أكتو نيجر عن “سقوط الرجل الذي جسّد الصوت المدني للمجلس العسكري”، بينما أشار موقع لا إنفودروم الإيفواري إلى التناقض بين “الخطيب المفعم بالحيوية” و”المتهم المحاصر”.
وترى لوبوان أن القضية تتجاوز الفساد المحتمل، لتعكس تحوّلاً إقليمياً واسعاً في منطقة الساحل، حيث تفقد النماذج الانتقالية واجهاتها المدنية لصالح أنظمة عسكرية مكتملة الأركان.
والمفارقة الإنسانية حاضرة أيضاً، فالرجل الذي أمضى 40 عاماً في السياسة، من برلماني ووزير إلى رئيس وزراء، ينتهي متَّهماً بالتآمر على الدولة التي دافع عنها في الأمم المتحدة. من “صوت مالي” في المحافل الدولية، إلى متهم خلف القضبان، لتكشف قصته كيف تبتلع السلطة العسكرية حتى أقرب حلفائها.
وتخلص المجلة إلى أن محاكمة مايغا قد تدخل التاريخ لا بتفاصيلها القانونية، بل كعلامة على نهاية الدور المدني في الانتقال المالي، ورسالة صريحة بأن الحكم في البلاد بات عسكرياً بالكامل.
الهلال الأحمر القطري يفتتح قرية سكنية في النيجر
