05 ديسمبر 2025

تنهار حكومة عبد الحميد الدبيبة تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية والانهيار المؤسساتي؛ وسط أزمات اقتصادية وأمنية متفاقمة، وسوء إدارة لا يمكن تغطيته بأي خطاب سياسي، فالشعب الليبي قالها بوضوح: “لا نريدكم”، ورددها البرلمان: “قُضي الأمر”.

عملياً فمنذ أن نالت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية الثقة في جنيف عام 2021، وهي تعيش على إيقاع الأزمات وتفتعلها بدل حلّها لكي تبقى في السلطة، ففي عملها غابت الرؤية وتعمقت حالة الانقسام بين الغرب والشرق، واحتفظت الميليشيات بدورها داخل معظم أجهزة الدولة، ومارست نفوذها دون أي تغيير، ولم تكن حكومة الدبيبة أكثر من جسد سياسي ميت يُدار من غرفة محصّنة في طرابلس.

اتخذت حكومة الدبيبة قرارات مرتجلة، وقامت بتعيينات مشبوهة، وأنتجت صراعات مفتوحة، كما أنها بقيت عبر إنفاق خارج السيطرةوغياب كامل لأي تقدم في ملف الانتخابات أو المصالحة الوطنية وكل هذا تراكم بشكل كرة نار تدحرجت أخيرا ًإلى الشارع، لتنفجر في وجه الحكومة وتُحرق بقايا شرعيتها.

لحظة الانهيار: من الشارع إلى البرلمان

كانت الشرارة مقتل عبدالغني الككلي (غنيوة)، القائد السابق لجهاز “دعم الاستقرار”، وما أعقبه من اشتباكات دامية بين قوات اللواء 444 وجهاز الردع، وكشفت تلك الأحداث هشاشة السلطة وغياب السيطرة؛ لتُفتح بعدها أبواب الجحيم عبر مظاهرات في طرابلس ومدن أخرى، وإطلاق نار على المحتجين، وقتلى ودماء في الشوارع.

لم تعد المسألة سياسية فقط، بل تحولت إلى قضية أخلاقية وإنسانية،وكان استخدام السلاح ضد المتظاهرين عمل وحشي وصفه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بـ”جريمة يعاقب عليها القانون المحلي والدولي”، واعتبرها العديد من الفاعلين المحليين والدوليين نقطة اللاعودة.

أحداث الشارع ارتدت بسرعة داخل طرابلس وانعكست عبر الإرباك الذي شهدته حكومة الدبيبة التي شهدت هروباً من المسؤولية إضافة لتآكل من داخلها، فاستقال وزراء محوريين مثل وزير الحكم المحلي والإسكان والصحة وحتى من يشغلون مواقع تنفيذية، وهذا كان بمثابة إعلان ضمني بأن الحكومة لم تعد قابلة للإصلاح، وأن البقاء فيها أشبه بالمشاركة في كارثة سياسية مكشوفة، ولم يعد عبد الحميد دبيبة قادراً على الإقناع أو حتى الإيهام بالقدرة على الحكم، فتفككت حكومته من الداخل قبل أن يلفظها الشارع، ثم يعلن البرلمان رسمياً نهايتها.

البرلمان يتحرك: لا فراغ بعد اليوم

تحرك مجلس النواب أمام هذا المشهد بسرعة وديناميكية ليحرك الحياة السياسية الليبية، وأعلن بدء جلسات فرز ملفات المرشحين لرئاسة حكومة جديدة، حيث ظهر 13 اسماً من مختلف الاتجاهات الجغرافية والسياسية، من الشرق والغرب، من مصراتة إلى بنغازي، ومن تيارات إسلامية إلى تكنوقراط ورجال أعمال.

هذه التعددية إن تمت إدارتها بذكاء تتكون بذرة أول حكومة أكثر توازناً بعد سنوات من الانقسام والتخبط، وباشرت لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة الفرز، وخصصت أياماً لعرض البرامج، وحددت الخميس 22 مايو موعدا ًللتصويت على رئيس الحكومة الجديد، في جلسة علنية بحضور ممثلين عن الجامعة العربية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة.

الدبيبة من جهته لم يصمت، وفي خطاب تلفزيوني هاجم خصومه، واتهمهم بمحاولة تنفيذ “انقلاب ثلاثي” مستغلين الاضطرابات الأمنية، غير أن الخطاب لم يكن أكثر من محاولة للتنصل من مسؤولية الانهيار، وبات واضحاً أن شرعية حكومته لم تعد قائمة لا سياسياً، ولا قانونياً، ولا شعبياً، وهذا ما أكده المجلس الأعلى للدولة نفسه، بإعلانه سحب الشرعية من حكومة الوحدة، وطالب بتشكيل حكومة مؤقتة لتسيير المرحلة القادمة حتى إجراء الانتخابات.

الحكومة الجديدة.. رهان في منطقة فوضى

رغم الحماسة البرلمانية، فإن تشكيل حكومة جديدة لن يكون أمراً سهلاً، فهناك تحديان أساسيان، الأول يظهر في الميليشيات المسلحة في طرابلس، فهي تحتاج لإدارة سياسية للتفاهم معها أو تحييدها، وأي حكومة جديدة ستصطدم بجدار القوة الفعلية على الأرض إذا لميتم التعامل مع هذه الميليشيات، أما التحدي الثاني فهو غياب التوافق الوطني الكامل، فحتى داخل مجلس النواب هناك أصوات ترفض أي تغيير خارج التوافق الشامل، كبيان 26 نائباً من برقة.

إن الحكومة القادمة، مهما كان رئيسها، ستبقى هشة ما لم تُمنح غطاءً شعبياً ودولياً قوياً، وتمتلك قدرة فعلية على السيطرة، لا مجرد تمثيل على الورق، وهوما دفع البرلمان إلى تحديد إطار زمني للحكومة القادمة بـ24 شهراً، ومهامها الرئيسية تتلخص:

  • تمهيد الأرضية لإجراء الانتخابات.
  • بسط سلطة الدولة على كامل التراب الليبي.
  • وقف التعاقدات والالتزامات الدولية المثيرة للجدل.
  • ضبط الإنفاق العام ومحاسبة الفاسدين.

وهذه البنود تلخص توجهاً واحداً في العودة إلى أساسيات الدولة، وعدم الدخول مرة أخرى في عملية سياسية تكرس الانقسام.

الرسالة الكبرى التي خرجت من هذه الأزمة أن الشعوب لا تستطيع الصمت طويلاً، وأن الخيانة الكبرى ليست في اختلاف الرؤى، بل في تجاهل صوت المواطن،وحكومة الدبيبة سقطت لأنّها لم تَسمع، ولم تُصلح، ولم تُنجز، ورغم كل الاعترافات الدولية التي حازتها، لم تنجُ من لحظة الحقيقة على الأرض.

ويبقى الرهان الآن على استغلال لحظة التحول الحقيقي بحيث لا يصبح التغيير مجرد تبديل للوجوه في مسرح الصراع الليبي.

بقلم: نضال الخضري

الأمم المتحدة تدعو ليبيا لتبني سياسات صارمة لمكافحة الاتجار بالبشر

اقرأ المزيد