05 ديسمبر 2025

كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز كارنيغي للشرق الأوسط عن تصاعد التنافس بين الجزائر والمغرب لملء الفراغ الاستراتيجي في منطقة الساحل الإفريقي، عقب تراجع النفوذ الفرنسي إثر سلسلة الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وأوضحت الدراسة، التي أعدتها الباحثة المتخصصة في شؤون المغرب العربي ياسمين زرهلول، أن الساحل يشهد إعادة اصطفاف جيوسياسي، حيث تسعى الجزائر والرباط إلى تعزيز حضورها عبر مشاريع ضخمة للبنية التحتية، أبرزها خطوط الغاز العابرة للصحراء والموانئ الأطلسية، التي لم تعد مجرد أدوات اقتصادية، بل تحولت إلى رافعات نفوذ سياسي وإقليمي.

وتتنافس الجزائر والمغرب على تمرير مشاريع طاقة عابرة للحدود؛ فالجزائر تطرح مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الرابط بين نيجيريا والنيجر والجزائر، فيما يعرض المغرب مشروعا منافسا لمد خط أنابيب يربط نيجيريا بالمغرب عبر عدة دول غرب إفريقية، بتمويل جزئي من الإمارات.

وفي المقابل، أطلق المغرب ما يُعرف بـ”المبادرة الأطلسية” عام 2023، التي تمنح مالي والنيجر منفذًا مباشرًا إلى المحيط الأطلسي عبر ممرات تنتهي بميناء الداخلة الجديد في الصحراء الغربية، بتكلفة تتجاوز 1.2 مليار دولار، وهو ما تعتبره الدراسة تحولا استراتيجيا يعيد رسم خريطة التفاعلات الاقتصادية في غرب إفريقيا.

وعلى الصعيد الأمني، جاء تأسيس تحالف دول الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) في سبتمبر 2023 كإطار جديد للتعاون العسكري والدفاعي، بعد انسحاب هذه الدول من “إيكواس” ومجموعة الساحل التي تأسست بدعم جزائري عام 2010، وترى الدراسة أن هذا التحالف بات ساحة جديدة لتنافس الجزائر والمغرب، اللذين يسعيان إلى تقديم نفسيهما كشركاء مفضلين لهذه الكتلة.

ودخلت العلاقة الجزائرية–الساحلية  مرحلة توتر حاد بعد إسقاط طائرة مسيّرة مالية بنيران جزائرية في أبريل الماضي، ما أدى إلى قطيعة دبلوماسية بين الجزائر ودول التحالف، التي ذهبت أبعد من ذلك بإعلان انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية احتجاجا على رفض النظر في شكواها ضد الجزائر.

لا يقتصر التنافس بين الجزائر والمغرب على الساحل، بل يمتد إلى مؤسسات الاتحاد الإفريقي، حيث يتواجه الطرفان في معركة مفتوحة على المناصب واللجان القيادية، فمنذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017 بعد غياب دام ثلاثة عقود، تصاعدت المواجهة الدبلوماسية حول ملفات أساسية، وفي مقدمتها قضية الصحراء الغربية.

وتقدم الجزائر نفسها بوصفها راعيا لسيادة الدول وداعمًا للحلول السلمية للنزاعات، فيما يسعى المغرب لتسويق نفسه كشريك تنموي قادر على تقديم مشاريع ملموسة في البنية التحتية والاستثمار.

ويمثل تراجع النفوذ الفرنسي في الساحل، نقطة تحول مفصلية في التوازنات الإقليمية، فدول المنطقة باتت تبحث عن بدائل لشركاء تقليديين مثل باريس، ما فتح الباب أمام قوى صاعدة دولية، إضافة إلى منافسة مغاربية بين الجزائر والمغرب.

ويُظهر هذا الصراع كيف تحولت أدوات الاقتصاد والطاقة إلى أسلحة جيوسياسية؛ فالموانئ وخطوط الغاز لم تعد مجرد مشاريع تنموية، بل صارت جزءا من سباق محموم على النفوذ، في منطقة تتقاطع فيها رهانات الأمن والهجرة والطاقة، وتعيد رسم خرائط التحالفات في أفريقيا جنوب الصحراء.

المغرب.. إحباط تهريب 7 أطنان من المخدرات في ميناء طنجة

اقرأ المزيد