وضع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بلاده في مأزق جديد، بعد المأزق الذي تسبب بالحرب الجارية الآن، إثر تمسكه بالحكم بشكل غير شرعي ومخالف لدستور بلاده وللمواثيق الدولية، إثر نهاية ولايته في العشرين من الشهر الحالي، وتمسكه بالحكم من دون تنظيم انتخابات جديدة في البلاد.
وكان من المقرر تنظيم الانتخابات البرلمانية الأوكرانية نهاية أكتوبر الماضي، والرئاسية في 31 مارس الماضي، لكن الانتخابات البرلمانية أُجِّلت بعد تمديد حالة التعبئة والحرب في أغسطس الماضي، ولاحقاً، أُجِّلت الانتخابات الرئاسية مع تمديد حالة الطوارئ مرتين، في 13 فبراير الماضي و10 مايو الحالي، كل منهما مدة 90 يوماً، علماً أن الدستور الأوكراني لا يحظر بوضوح إجراء انتخابات رئاسية في ظل الأحكام العرفية، وينص بشكل واضح في المادة 103 على أن مدة الولاية الرئاسية خمس سنوات، من دون وجود أي بند يسمح بتمديد هذه المدة.
وفي ظل غياب أي بند قانوني يسمح للرئيس في أوكرانيا تمديد حكمه، يعتبر استمرار زيلينسكي في الحكم غير قانوني، كما تعتبر جميع الاتفاقيات التي يقوم بالتوقيع عليها، بعد انتهاء ولايته، غير شرعية وغير معترف بها وفق المواثيق الدولية.
وقبل دخول أوكرانيا في هذه الأزمة، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تجاوز المشكلة عبر دفع زيلينسكي إلى إجراء انتخابات رئاسية، خلال لقاء بين الأخير ووزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، في سبتمبر الماضي، كذلك، دعا رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تايني كوكس، في مايو من العام الماضي، الأوكرانيين إلى تنظيم الانتخابات البرلمانية في وقتها المقرر في أكتوبر 2023، ولاحقاً الرئاسية. وقال كوكس، وقتها، إنه “يجب على أوكرانيا أن تنظم انتخابات حرة ونزيهة، لأن هذا هو التزامكم (الأوكرانيين) بموجب ميثاق مجلس أوروبا”.
وشدد عدد من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين، أكثر من مرة، على أن الالتزام بمواعيد الانتخابات سيسمح لأوكرانيا بالحفاظ على صورة الدولة الديمقراطية، وفي هذه الحالة، سيكون من الأسهل على السياسيين الغربيين الاتفاق على حُزم مساعدات جديدة. وتحدث السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، في أغسطس الماضي، علناً، عن رغبات المؤسسة الأميركية أثناء زيارته كييف، مشدداً على أنه “حان الوقت لأوكرانيا لاتخاذ الخطوة التالية في إرساء الديمقراطية وإجراء الانتخابات في العام 2024”.
وبالرغم من كل ما سبق، أصر زيلينسكي على استمرار الوضع القائم فيما يمكن تفسيره بأنه خوف من النتائج المتوقعة لهذه الانتخابات، والتي بالتأكيد ستطيح به، بسبب الأوضاع التي وصلت إليها بلاده جرّاء سياسته التي اتبعها، والتي وضع فيها مصلحة الغرب على مصلحة بلاده، وقال في تسجيل مصور إلى إجراء الانتخابات “ليس مناسباً”، وفق تعبيره.
وفي وقت سابق، نشر جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية تقريراً مفصلاً عن الوضع الداخلي في أوكرانيا، يوضح “انخفاض مستوى شعبية فولوديمير زيلينسكي إلى 17%، مع استمرار هذا المنحى في الانخفاض”.
وقال التقرير إنه “أكثر من 70% من السكان فقدوا ثقتهم بالمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام الأوكرانية، كما أن نحو 90% من المواطنين يرغبون في مغادرة البلاد… الأمور في الجيش ليست أفضل”.
في هذا السياق، يبدو الموقف الروسي الذي يؤكد عدم شرعية زيلينكسي طبيعياً ومتوافقاً مع المواثيق الدولية، حيث ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحافي بالصين، إلى أن أن مسألة شرعية زيلينسكي بعد انتهاء ولايته يجب أن يجيب عليها النظام السياسي والقانوني الأوكراني بنفسه.
اللافت أن فريق زيلينسكي أحجم عن توجيه طلب للحصول على استشارة المحكمة الدستورية الأوكرانية للبت في قانونية تأجيل الانتخابات، وشرعية الرئيس بعد انتهاء ولايته.
وفي وقت سابق، قال رئيس حركة “أوكرانيا أخرى” والزعيم السابق لحزب “منصة المعارضة – من أجل الحياة”، فيكتور مدفيدتشوك، إن فلاديمير زيلينسكي، وفقا للدستور، لن يكون رئيساً شرعياً لأوكرانيا بعد 21 مايو.
وقال مدفيدتشوك في مقابلة مع وكالة “تاس”، بمناسبة الذكرى العاشرة لمأساة مقر النقابات العمالية في أوديسا: “بحسب الدستور الأوكراني، بعد 21 مايو لن يستطيع زيلينسكي أداء مهامه كرئيس، لكن، منذ متى وهو ينفذ القانون؟”.
بدوره، قال البرلماني الأوكراني السابق إيغور موسيشوك في حديث عبر “يوتيوب” إن شرعية زيلينسكي انتهت، وهو ما أكده أيضاً رئيس وزراء أوكرانيا السابق ميكولا أزاروف.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية قالت في مقال لها إنه “في ظل الظروف الحالية، يمكن اتهام رئيس نظام كييف بتقويض الديمقراطية في أوكرانيا”، وتابعت ” أنه “بسبب ظروف الحرب واعتماد الأحكام العرفية، أصبحت إدارة الرئيس الأوكراني سلطة غير تقليدية”، وأضافت ” سيكون هناك تشكيك كبير في شرعية الرئيس ورئيس مكتبه، بعد انتهاء فترة ولاية زيلينسكي في 20 مايو”.
وفي محاولة لتلافي الأزمة أصدرت اللجنة الانتخابية المركزية في أوكرانيا قراراً في 22 فبراير الماضي، أكدت فيه أن زيلينسكي يحظى بالشرعية بعد 20 مايو 2024. وأشارت إلى أن قرارها ينطلق من أنه “وفقاً للدستور، يواصل الرئيس واجباته حتى أداء رئيس جديد القسم، ولا يمكنه أن ينقل صلاحياته إلى شخص آخر في هذه الفترة، باستثناء حالات محددة وهي: الاستقالة، أو الموت، أو الوضع الصحي، أو العزل”. وقالت اللجنة إن على مجلس الرادا العليا (البرلمان) الأوكراني أن يحدد موعداً للانتخابات بعد نهاية الحرب مباشرة.
وأوضحت اللجنة الانتخابية أن زيلينسكي سيتحول، رسمياً، إلى قائم بمهام الرئيس. ولكن حقيوقيون ومشرعون أوكران يصرون على أن رئيس البرلمان هو المخول استلام السلطة مؤقتاً حتى موعد الانتخابات المقبلة، ويستشهدون بما حصل في ربيع 2014 بعد خروج الرئيس الأسبق فيكتور يونوكوفيتش، حينها شغل رئيس البرلمان أولكسندر تورتشينوف منصب الرئيس بالنيابة، ثم سلم السلطة إلى بوروشينكو، الفائز في الانتخابات الرئاسية اللاحقة.
وكان مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، حذّر في مارس الماضي من أن “القرار الأحادي الذي اتخذه ديكتاتور كييف بعدم إجراء انتخابات رئاسية خوفاً من خسارتها على ما يبدو، والذي اتخذ في انتهاك للدستور الأوكراني، يجعله غير شرعي اعتباراً من 21 مايو (الحالي)، وقال “السؤال الذي يطرح نفسه: من يمثل الآن؟ ومع من يجب أن نتفاوض ومتى إذا لزم الأمر؟”.
“أوبك+” تبدأ بخفض إنتاج النفط بشكل طوعي