في تطور ملحوظ على الساحة السياسية والاقتصادية في غرب إفريقيا، أعلنت ثلاث دول هي النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”، مبررة قرارها بفرض المنظمة عقوبات، وصفتها بـ”غير الإنسانية” بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها الدول الثلاث، والقرار تم الإعلان عنه عبر بيان مشترك من المجالس العسكرية الحاكمة في هذه الدول، وعبر عن رفض هذه الدول للتدخلات الخارجية والعقوبات التي تعتبرها مساسا بسيادتها وحقها في تقرير مصيرها.
رد “إيكواس” على البيان لم يتأخر حيث أكدت عدم تلقيها أي رسالة رسمية بشأن الانسحاب، وأشارت إلى أن هذه الدول تعد أعضاء مهمين في المجموعة التي تضم 15 دولة، كما أوضحت أن عملية الانسحاب يجب أن تتم وفقا للمعاهدات التي تنظم عضوية الدول في المنظمة، بما في ذلك الإخطار الرسمي خطيا بنية الانسحاب خلال عام واحد، مع ضرورة الامتثال لالتزامات العضوية خلال تلك الفترة.
تعكس الخطوة التي اتخذتها الدول الثلاث تعقيد العلاقات داخل المنظمة الإقليمية، وتظهر الصراع الجيوسياسي بين النفوذ الروسي والغربي، خاصة الفرنسي، في منطقة الساحل، فالانسحاب يشكل دلالة على تصاعد صراع النفوذ الدولي وتأثيره السلبي على التعاون التجاري والأمني بين دول المنطقة، وذلك في وقت تشهد فيه تلك المناطق تناميا للعمليات الإرهابية وعدم استقرار أمني.
كما يأتي قرار الانسحاب في ظل توترات متزايدة بين “إيكواس” والدول الثلاث بعد سيطرة الجيش على السلطة في تلك الدول بين أعوام 2020 و 2023، حيث اعتبرت السلطات الجديدة في تلك الدول أن هذه المنظمة فشلت في تقديم دعم لها لمواجهة التحديات الأمنية والإرهاب، مما دفعها للبحث عن شراكات جديدة، خاصة مع روسيا، التي بدأت تلعب دورا متزايد الأهمية في المنطقة، لكن هذا التبدل داخل “إيكواس” أثار جملة من الأسئلة حول مستقبل التعاون الإقليمي في غرب إفريقيا، وشكل مؤشرا لإعادة تشكيل التحالفات السياسية والأمنية في المنطقة، فتداعياته الاقتصادية والأمنية يمكن أن تطال الغرب الإفريقي عموما، ويؤثر على جملة العلاقات في تلك المنطقة، على الأخص مع تزايد الأنشطة الإرهابية والجماعات المسلحة.
الجانب الأساسي لانسحاب النيجر ومالي وبوركينا فاسو من “إيكواس” يرتبط بالتوترات الجيوسياسية والأمنية في منطقة الساحل، فهو يتجاوز الحالة الإفريقية إلى مستوى النظام الدولي الذي تفجرت صراعاته في أكثر من منطقة، وهو ما يهدد العلاقة داخل المنظمات الإقليمية عموما التي ظهرت على قاعدة سياسية مترابطة مع تحالفات الدول وارتباطاتها مع العواصم الكبرى في العالم، فالساحل في غرب إفريقيا واجه التحديات الأمنية المتمثلة في الجماعات المتطرفة والصراعات العرقية، عبر تشكيل مجموعات إقليمية للتعويض عن ضعف هياكل الدولة والنزاعات الداخلية، وعقوبات “إيكواس” تجاه الدول الثلاث المنسحبة تظهر التأثيرات الدولية على طبيعة العلاقات داخل هذه المنظمة، وتقدم معايير متناقضة في إجراءاتها وذلك مقارنة بمعاملتها مع دول مثل تشاد التي يحكمها أيضا نظام عسكري.
على الجانب الآخر من عملية الانسحاب هناك مشهد دولي مترابط مع ما يحدث في الساحل الغربي لإفريقيا، وإذا كانت الثروات الباطنية أمرا معروفا في صراع النفوذ الدولي داخل القارة الإفريقية عموما، فإن التغيرات على سوق الطاقة العالمي وحركة التجارة الدولية بعد الانقسام نتيجة الحرب الأوكرانية، خلق تقاطعا جديدا لمصالح القوى الكبرى داخل دول الساحل، فالتنافس الدولي يشتد لإغلاق الأسواق أو مصادر الإنتاج بوجه الاقتصاديات الأكبر في العالم مثل الصين، وفي نفس الوقت فإن تقديم تحالفات جديدة على المستوى الإفريقي هو صراع جديد اعتادت القارة الإفريقية عليه منذ مرحلة الحرب الباردة، فنموذج “إيكواس” لم يعد الأكثر فاعلية رغم أن الدول التي انسحبت ستواجه صعوبات اقتصادية خطيرة على حركة الإنتاج وسوق العمل التي باتت مغلقة بوجه الدول الثلاث.
خلال العقدين الماضيين كان الساحل الغربي منطقة نفوذ أوروبي، وفرنسي على وجه التحديد، لكن التنافس نتيجة الانقسام الدولي سيخلق من جديد بؤر صراع متنقلة داخل دول الساحل المثقلة أصلا بالصراعات، لكنه بنفس الوقت يشكل اختبارا للعلاقات الإفريقية وقدرتها على تحقيق توازن مصالح ونماذج تحالفات مرنة.
بقلم نضال الخضري
بمشاركة عربية مميزة.. انطلاق النسخة الـ20 من المهرجان العالمي للشباب في مدينة سوتشي الروسية