18 ديسمبر 2024

تشهد الأزمة الليبية فصلاً جديداً مع دعوة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة اللجنة الدستورية على استئناف العمل على مسودة الدستور، ورغم أن الدعوة ليست جديدة لكنها تعيد الجدل حول مشروع دستور 2017.

خطوة الدبيبة أشعلت معارضة جزء من المكونات الليبية من الأمازيغ والتبو والطوارق، وبشكل يؤكد على التحدي الدائم بخصوص تعزيز الوحدة الوطنية، ففي الوقت الذي يضع الدبيبة هذه الدعوة على أنها ضرورية لاستقرار ليبيا، فإنها تبدو كاستراتيجية لتأخير استقالته وتوسيع قبضته على السلطة.

استراتيجية متكررة

منذ موافقة الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور على مشروع الدستور عام 2017، تم حظر اعتماده باستمرار، حيث أعاقت الاحتجاجات من جانب المكونات المذكورة، إضافة للصراعات السياسية الداخلية، الجهود الرامية إلى طرح الوثيقة للاستفتاء.

وعلى الرغم من تقديم مسودة عام 2017 كإطار للاستقرار، لكن هذه المسودة واجهت اتهامات بتهميش التنوع الاجتماعي في ليبيا، وأبدى الأمازيغ والتبو والطوارق استياء من مسودة الدستور مشيرين إلى افتقارها إلى الضمانات لحقوقهم اللغوية والثقافية والسياسية.

ويؤشر الدفع المتجدد من جانب الدبيبة لتفعيل هيئة صياغة الدستور إلى نمط سياسي أوسع نطاق عبر استخدام الخطاب الدستوري كتكتيك للبقاء في السلطة، ففي كل مرة تقترب فيها الفصائل السياسية في ليبيا من تشكيل حكومة موحدة أو إجراء انتخابات، يسلط الدبيبة الضوء على الدستور، بحجة الدفاع عن “إرادة الشعب”، ولكنه يثير عبر هذا النهج المتكرر تساؤلات حول التزامه بالعمليات الديمقراطية الحقيقية.

يمكن النظر إلى مشروع الدستور على أنه شكل من إثارة تحفظات المعارضة، وخاصة من هذه المكونات، فعلى سبيل المثال، رفض المجلس الأمازيغي بشكل قاطع مسودة عام 2017 باعتبارها “معيبة وإقصائية”، مشيرا إلى استبعادهم من مداولات هيئة صياغة الدستور.

وعلى نحو مماثل، يطالب ممثلو مجتمعات التبو والطوارق بضمانات دستورية لحقوقهم قبل إجراء أي استفتاء، ومخاوفهم تستند إلى أمور واقعية حيث من المفترض أن يكون الدستور الديمقراطي وثيقة موحدة تعكس تطلعات جميع المواطنين، بينما تخاطر المسودة الحالية بتفاقم الانقسامات من خلال تجاهل المبدأ الأساسي للشمول، وبدون دمج وجهات نظر هؤلاء في الإطار العام لأي دستور جديدفإنه لن يكتسب شرعية حقيقية.

الجمود السياسي ودوافع الدبيبة

تتزامن دعوة الدبيبة لإعادة تنشيط هيئة صياغة الدستور مع الضغوط المتزايدة على حكومته للتنحي وإفساح المجال لحكومة وحدة جديدة، ويعمل مجلس النواب والفصائل السياسية الأخرى بنشاط على تعزيز الخطط الخاصة بالانتخابات، بما في ذلك المداولات حول تشكيل حكومة جديدة قادرة على الإشراف على العملية الانتخابية، واتجاهات الدبيبة نحو طرح مسودة الدستور مناورة لكسب الوقت.

ومن خلال التأكيد على العملية الدستورية، يحول الدبيبة التركيز على شرعية حكومته، وتسمح له هذه الاستراتيجية أيضا بتقديم نفسه كمدافع عن المبادئ الديمقراطية، حتى مع اتهام المنتقدين له بإدامة الشلل السياسي في ليبيا.

في المقابل يتوقف مسار ليبيا نحو الاستقرار على التعامل مع سؤال مركزي: هل ينبغي أن يكون التركيز على إجراء الانتخابات أم اعتماد الدستور أولاً؟ فالمدافعون عن الانتخابات الفورية، بما في ذلك الحكومة في الشرق، يروون أن المناقشة الدستورية تشتت الانتباه، ويشددون على حقيقة أن قوانين الانتخابات، التي وضعتها لجنة “6+6” وصادق عليها مجلس النواب، توفر إطاراً وظيفياً للانتخابات دون الحاجة إلى استفتاء.

من ناحية أخرى، يؤكد أنصار تبني الدستور، بما في ذلك معسكر الدبيبة، أن إطار الحكم المستقر ضروري قبل أن تتمكن الانتخابات من المضي قدماً، ويحذرون من أن إجراء انتخابات دون تفويض دستوري واضح من شأنه أن يخاطر بدفع ليبيا إلى فوضى أعمق، في ظل عدم وجود نظام متفق عليهقادر على حسم الخلافات.

دور المجتمع الدولي

ضمن الإطار العام حافظ المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، حتى الآن على موقف حذر، وحث الجهات الفاعلة الليبية على إعطاء الأولوية للإجماع، لكن الانجرار إلى الجمود السياسي الذي لا نهاية له في ليبيا؛ يطرح مخاوف كثيرة بالنسبة لمراكز اتحاذ القرار الدولي، فاحتمال إجراء استفتاء دستوري يعقد الجدول الزمني للانتخابات، ويؤدي إلى تأخيرها لسنوات، وهذه الديناميكية تتوافق مع مصالح الدبيبة، لأنها تسمح له بإطالة فترة ولايته.

ودفع الجمود السياسي في ليبيا البلدان المشاركة في جهود الاستقرار في ليبيا، بما في ذلك إيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، للحديث عن إحباطها من الافتقار إلى التقدم السياسي.

وتوضح السياسات الخارجية لهذه الدول على تركيزها بشأن الحد من الانقسامات ومواجهة التأثيرات الخارجية، لكن الممارسات السياسية لمعظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة يبدو عقبة أخرى أمام تحقيق نتائج ملموسة، فهي لا تحاول الضغط على الأطراف التي تمثل مصالحها المباشرة، مثل الدبيبة، لكي تمارس مرونة سياسية من أجل السير في العملية السياسية

في الصورة الأعمق فإن النقاش الدستوري يجسد التحديات الأوسع التي تواجه ليبيا، وبالنسبة لدبيبة، فإن إحياء هيئة صياغة الدستور التأسيسية يوفر شريان حياة للاحتفاظ بالسلطة.

أما بالنسبة لجزء من مكونات المجتمع الليبي، فهو تذكير بالإقصاء المنهجي الذي يواجهونه، وفي المقابل فإنالمجتمع الدولي يرى في هذه المسألة حالة التعقيد الهائل المتمثل في تحقيق الاستقرار الليبي والحفاظ على مصالحه.

ودون معالجة المظالم المشروعة للأمازيغ والتبو والطوارق، فإن أي محاولة لتبني دستور سوف تتعثر، إضافة لذلك، فإن مناورات دبيبة تخاطر بتنفير أصحاب المصلحة الرئيسيين وترسيخ الانقسامات في ليبيا، وسواء اختارت ليبيا الانتخابات أو الاستفتاء الدستوري كخطوتها التالية، فإن الطريق إلى الأمام يجب أن يعطي الأولوية للشمول والإجماع لوضع الأساس للاستقرار الطويل الأجل.

بقلم: نضال الخضري

وزير ليبي.. الدبيبة من أنصار السلاح وليس الانتخابات

اقرأ المزيد