24 نوفمبر 2024

ينظر بعض الليبيين بحنين إلى المراحل السياسية السابقة، سواء عهد الملكية في ظل سلالة السنوسي أو حكم معمر القذافي، وذلك كرد فعل على الفوضى وعدم الاستقرار التي تعيشه ليبيا.

رغم مضي أكثر من عقد على سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، لا تزال ليبيا تعيش حالات في عدم الاستقرار السياسي والعنف والمصاعب الاقتصادية، فالمشهد العام لا يقدم أي مؤشر على حلول سياسية وسط سطوة الفصائل المسلحة وصراعاتها المستمرة في غرب ليبيا، وعدم قدرة حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، على إيجاد توافقات سياسية واقعية مع حكومة الشرق المكلفة من البرلمان الليبي.

الأفق السياسي المسدود دفع إلى حلم العودة إلى مراحل الاستقلال الأولى، بينما مازال البعض يسترجع ذروة السيادة خلال حكم القذافي، ما يعكس شعورا عميقا بعدم الرضا عن الإدارة الحالية تحت قيادة الدبيبة.

إرث الملكية السنوسية

قبل أن يغير معمر القذافي من المسار السياسي لليبيا بعد وصوله للسلطة عام 1969، كانت ليبيا تعيش في ظل النظام الملكي لـ”إدريس الأول”، وهو أحد أفراد عائلة السنوسي التي لعبت دورا هاما خلال مرحلة الصراع من أجل الاستقلال عن إيطاليا.

وسلالة السنوسي لها جذور في نظام ديني صوفي تأسس في القرن التاسع عشر، وشكلت حالة استقطاب ثقافي للهوية الليبية خلال سنوات تأسيس البلاد، وهي تظهر اليوم من جديد عبر حركة العودة للشرعية الدستورية التي تأسست لإعادة العمل بالدستور الليبي لعام 1951 واستعادة الملكية السنوسية، وتعتبر هذه الحركة استجابة للانقسام السياسي والفوضى التي شهدتها ليبيا بعد الإطاحة بنظام القذافي في عام 2011.

من جانب آخر فإن الأمير محمد السنوسي، حفيد الملك إدريس، هو أحد أبرز الشخصيات التي تدعو لاستعادة الملكية، وقام بإجراء مشاورات مع شخصيات سياسية ومجتمعية في مختلف المناطق الليبية، بما في ذلك بنغازي وطرابلس لتعزيز دعوته، وشكل ظاهرة سياسية دفعت أعضاء من المجلس الأعلى للدولة في سبتمبر 2024، لإعلان دعمهم لاستعادة النظام الملكي، معتبرين أن هذا الخيار يوفر أساسا قانونيا ودستوريا لعودة الاستقرار، ويرافق هذا التحرك السياسي تحول في الاتجاهات العامة للشعب الليبي، حيث أظهرت بعض استطلاعات الرأي أن هناك دعما متزايدا لفكرة العودة إلى الملكية، وحسب استطلاع أجرته  Pollfish فإن حوالي 48% من الليبيين يؤيدون استعادة الملكية، بينما يعارض 52% ذلك.

عملياً فإن إيجاد توافق على مسألة العودة إلى الملكية أمر صعب ليس بسبب الانقسام السياسي فقط، بل لوجود عاملين أساسيين:

  • الأول وجود قوى عسكرية في الغرب الليبي تحديدا ترفض التخلي عن سيطرتها، وهي مستعدة لرفع وتيرة العنف من أجل إبقاء مصالحها خارج القانون والشرعية.
  • العامل الثاني مرتبط بالقوى السياسية التي ظهرت بعد عام 2011 وارتبطت بشكل وثيق مع التدخل الأوروبي والأمريكي في ليبيا، وهذه النخب السياسية تحكم اليوم في طرابلس ومرتبطة مع القوى العسكرية بمصالح متبادلة.

في الواقع فإن سلالة السنوسي لم تكن مثالية، لكنها وفرت توازنا ما بين المكونات الليبية أمّن قدرا من الوحدة والاستقرار بعد قرون من القمع الاستعماري الإيطالي لليبيين، وكان الملك إدريس معروفا بحكمه المعتدل وجهوده في توحيد القبائل المختلفة في ليبيا، علاوة على ذلك فخلال فترة حكمه، شهدت ليبيا نموا اقتصاديا نسبيا بفضل اكتشاف النفط.

الحنين إلى عصر القذافي

يقابل دعوة بعض الليبيين إلى العودة للملكية اتجاه ينظر إلى عهد القذافي بنفس المشاعر ولكن لأسباب مختلفة، حيث كان حكم معمر القذافي، الذي استمر 42 عاما يمثل حالة حداثة اقتصادية، فسياسات القذافي الاشتراكية، سعت إلى إعادة توزيع الثروة وتوفير التعليم المجاني والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية الأخرى للمواطنين الليبيين، وتتميز مرحلة حكمه بالاستقرار مقارنة بالفوضى الحالية.

وبالنسبة للكثيرين، خاصة أولئك الذين كانوا صغارا خلال حكم القذافي، يمثل هذا العصر فترة استقرار حيث تم تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، ومكنت أيضا من الحفاظ على مستوى من الأمن الداخلي الذي غاب منذ الإطاحة بحكم القذافي في عام 2011، فالفوضى التي أعقبت سقوطه جعلت الكثيرين يشعرون بخيبة أمل نتيجة التفكك السياسي الذي يسود ليبيا الآن.

التفكك السياسي في ظل حكم الدبيبة

ظهرت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، كحالة سياسية مؤقتة تهدف لتوحيد ليبيا وتقودها نحو انتخابات ديمقراطية، لكن مهامها الأساسية بقيت مؤجلة وسارت تلك الحكومة باتجاه الفساد، وعقدت تحالفات مع المجموعات المسلحة، وفشلت في معالجة قضايا أساسية مثل عدم المساواة الاقتصادية وعدم توفير الأمن، وسعت للاستمرار رغم انتهاء ولايتها ما أدى لانقسام سياسي وظهور حكومتين ليبيتين.

في ظل هذا الواقع السياسي من المرجح أن يستمر الجدل حول مستقبل ليبيا، سواء كان الحل يكمن في العودة إلى الملكية السنوسية أو في تعزيز الديمقراطية الهشة في ليبيا، وما هو واضح هو أن الوضع الراهن لا يمكن استمراره، حيث تركت الفوضى السياسية، والمصاعب الاقتصادية، وانعدام الأمن الذي يعاني منه الليبيون منذ عام 2011 البلاد في حالة أزمة دائمة.

إن الدعوات للعودة إلى زمن سياسي سابق متجذرة نتيجة شعور عميق بالإحباط من النظام السياسي الحالي، فبالنسبة للعديد من الليبيين تمثل هذه العصور السابقة، رغم عيوبها، فترات كانت البلاد فيها أكثر وحدة واستقرارا وازدهارا، ومع ذلك، فهناك صعوبات في تحويل هذه الدعوات إلى حل سياسي قابل للتطبيق، فمستقبل ليبيا مازال خاضعا للصراعات الداخلية، والطريق إلى حل سياسي يحتاج إلى إرادة سياسية تأخذ بعين الاعتبار الدرس التاريخي للمراحل السابقة خلال حكمي السنوسي والقذافي، وتدفع البلاد إلى أفق جديد.

بقلم مازن بلال

الولايات المتحدة تفرض عقوبات على شقيق “حميدتي”

اقرأ المزيد