05 يناير 2025

كانت أسعار الوقود في ليبيا على مدى عقود هي أدنى أسعار دولة في العالم، وبلغ سعر البنزين 0.15 دينار ليبي (0.03 دولار أميركي تقريباً) للتر، فدعم المشتقات النفطية سمة لثروة ليبيا، ولكن مقترحات إلغاء الدعم يشكل تحول في التفكير الاقتصادي.

قضية رفع الدعم أثارت اهتمام الساسة والاقتصاديين وعامة الناس على حد سواء، وخلقت زوبعة من التكهنات والقلق، وظهرت ثلاث اتجاهات في معالجة هذا  الأمر استناداً للواقع الاقتصادي القائم، بينما يتجه البعض لاتخاذ موقف حذر نظراً لأن الدعم أصبح جزءاً من الترتيبات الخاصة بتسيير شؤون المواطنين، بينما يتخذ الأمر عند شرائح واسعة سمة تعارض هذا الاتجاه الذي سيؤثر سلباً على حياة الناس وعلى الاقتصاد عموماً.

التصور الفوري: هل هو ذعر مصطنع؟

عندما انتشرت الأخبار بأن الحكومة في شرق ليبيا، بقيادة رئيس الوزراء أسامة حماد، وافقت على اقتراح برفع دعم الوقود، كان رد الفعل الفوري من بعض القطاعات هو الذعر، فالانتقاد الأساسي بأن هذا الإجراء سابق لأوانه، ويفتقر إلى الوضوح الكافي بشأن آليات التنفيذ، ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي في دعم هذا الانتقاد وإثارة المخاوف من ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم الاستقرار الاقتصادي.

حاولت تصريحات المسؤولين الحكوميين لاستيعاب هذا الذعر الذي انتشر في الشارع الليبي، مؤكدين أنه خوف غير مبرر، وبين رئيس الوزراء أسامة حماد أنه لم يتم اتخاذ أي قرار نهائي، فالاقتراح كان جزءاً من مناقشات أوسع حول الإصلاح الاقتصادي، والاجتماعات حول تلك الإصلاحات شملت اجتماعات رفيعة المستوى مع البنك المركزي الليبي وغيره من المؤسسات المالية، حيث أوضحت الحكومة أن أي تغييرات في دعم الوقود سيتم التعامل معها بحذر وتأن.

عمليا فإن مجرد اقتراح رفع الدعم أثار قلقاً واسع النطاق، وذلك نتيجة اعتماد المواطن العادي على أسعار الوقود المنخفضة في معيشته اليومية، فالنظر إلى أي تغيير في هذا النظام يتم اعتباره تهديدا ًمحتملاً، وهو يسلط الضوء على الاعتماد العميق على الدعم والتحديات التي تواجه تعزيز الثقة العامة في الإصلاحات الاقتصادية.

وعلى النقيض من الانطباع السائد بأن اتخاذ القرار متسرع، اتخذت حكومة حماد موقفاً مدروساً بشأن إصلاح دعم الوقود، فخلال المناقشات في بنغازي، أقرت الحكومة بالضغوط المالية الناجمة عن الدعم الذي يكلف ليبيا أكثر من 14 مليار دولار سنوياً، أي ما يمثل نحو 40% من عائدات إنتاج النفط والغاز، ورغم هذه الضغوط، فإن وزير المالية، أحمد المرتضى، أكد على أهمية التحليل الشامل قبل تنفيذ أي تغييرات في السياسات الخاصة بالدعم، موضحاً دور اللجان الفنية في دراسة الإصلاحات المحتملة، وضمان موازنة لتدابير الاستدامة الاقتصادية مع احتياجات المواطنين العاديين، ويعكس هذا النهج الحذر واعتراف الحكومة بالمخاطر المرتبطة بإلغاء الدعم المفاجئ، وخاصة في بيئة هشة سياسياً واقتصادياً.

ومن بين المخاوف المهمة إمكانية الفساد وتهريب الوقود الذي يكلف ليبيا ما يقدر بنحو 5 مليارات دولار سنوياً، فمن خلال خفض أسعار الوقود المحلية بشكل مصطنع، يخلق نظام الدعم الحالي فرصاً مربحة للتهريب إلى الدول المجاورة وحتى أوروبا، فخفض الدعم يمكن أن يحد من هذه الممارسات ويعيد توجيه الأموال نحو قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم.

ولكن حكومة حماد تدرك أيضاً المخاطر السياسية التي ستحملها التغييرات المفاجئة في الدعم، وإمكانية إثارة الاضطرابات على مستوى الشارع الليبي، حيث ترتبط أسعار الوقود بشكل وثيق بتكلفة المعيشة، وفي دولة منقسمة بالفعل بين حكومتين متنافستين وتعاني من عدم الاستقرار، فإن الحفاظ على الانسجام الاجتماعي يشكل مصدر قلق بالغ الأهمية.

الحجج المؤيدة والمعارضة لإصلاح الدعم

تظهر الحجج المؤيدة للإصلاح ضمن العقلانية الاقتصادية والانسجام مع النظام الاقتصادي الدولي، فالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي يطالب ليبيا بشكل دائم بإصلاح نظام الدعم الخاص بها كجزء من جهود الاستقرار الاقتصادي الأوسع، ومن جانب آخر يرى المؤيدون لرفع الدعم أنه يستنزف الميزانية الليبية، فهو يستهلك الموارد التي يمكن تخصيصها لقطاعات حيوية أخرى، فدعم الوقود يمثل 15٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي، ويستفيد منه المهربين والأثرياء بدلاً من الفقراء، فالنظام الحالي يشجع الأنشطة غير المشروعة، ويساعد الإصلاح في القضاء على هذه التشوهات وتعزيز الكفاءة الاقتصادية، ويقترح المدافعون استبدال دعم الوقود بالتحويلات النقدية المباشرة للمواطنين، ويمكن أن يوفر هذا النهج دعماً للأسر ذات الدخل المنخفض مع تقليل الإنفاق الإجمالي.

على الجانب الآخر فإن الشرائح الاجتماعية الأوسع ستعارض رفع الدعم، حيث يرى العديد من الليبيين أن انخفاض أسعار الوقود هو أحد الفوائد الملموسة القليلة لثروة البلاد النفطية، ومن المرجح أن تؤدي أسعار الوقود المرتفعة إلى زيادة تكاليف النقل والسلع الضرورية، ما يؤدي إلى تفاقم التضخم ووضع أعباء إضافية على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بشكلها الحالي سيؤدي إلى تعميق الانقسامات وتقويض شرعية الحكومة، كما أن الإعانات النقدية المقترحة عوضاً عن الدعم تفتقر إلى البنية الأساسية والقدرة الإدارية لتنفيذ برامج التحويل النقدي الفعّالة، وبدون الضمانات الكافية، ستصبح هذه البرامج وسيلة أخرى للفساد.

يتطلب التعامل مع تعقيدات إصلاح دعم الوقود اتباع نهج دقيق، واستراتيجية تنفيذ تدريجية، مقترنة بشبكات أمان اجتماعي قوية لحماية الفئات الضعيفة، بحيث تأتي زيادة أسعار الوقود بشكل تدريجي مع تقديم التحويلات النقدية أو الإعانات لقطاعات محددة، مثل النقل والزراعة، فالشفافية والمشاركة العامة أمران بالغا الأهمية في هذا الأمر، وستحتاج الحكومة التعامل بوضوح وأسس منطقية للإصلاح، مع مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار، فالشفافية تعزز الثقة وتقلل المخاوف، فإصلاح الدعم ينجح عندما يكون جزءا من استراتيجية اقتصادية أوسع تهدف إلى تنويع قاعدة الإيرادات الليبية.

إن المناقشة حول دعم الوقود في ليبيا تؤكد على التحديات المتمثلة في تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والسياسي، ورغم أن حكومة حماد أظهرت حذرا ًتجاه هذا الأمر، فإن المسألة لا تزال حالة مقلقة للمواطن الليبي خصوصاً مع وجود حجج قوية على الجانبين، ونجاح أي إصلاح يعتمد على قدرة الحكومة على معالجة المخاوف العامة، وتنفيذ الضمانات ضد الفساد، وضمان توزيع فوائد التغيير بشكل عادل.

بقلم نضال الخضري

مجلس النواب الليبي يهدد المؤسسات التي تمول حكومة الوحدة الوطنية الليبية

اقرأ المزيد