دراسة تتوقع فقدان مصر ثلث مساحتها الزراعية سنوياً بسبب سد النهضة خلال فترات الجفاف، والخبراء يعتبرون التقديرات مبالغ فيها ويؤكدون أهمية التوصل لاتفاق مائي لضمان الاستدامة.
كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون بجامعة “تكساس إيه آند إم” الأمريكية عن مخاوف من أن يؤدي سد النهضة الإثيوبي إلى فقدان مصر ما يقارب ثلث مساحتها الزراعية سنوياً خلال فترات الجفاف.
وأشارت الدراسة، التي قادها الدكتور محمد أحمد، الأستاذ بمركز دراسات إمدادات المياه بجامعة “تكساس إيه آند إم”، إلى أن مصر والسودان لم تشهدا حتى الآن تأثيرات كبيرة لسد النهضة، وذلك بسبب الأمطار الغزيرة التي شهدتها منطقة حوض النيل نتيجة التغيرات المناخية، مما ساعد في تعويض كميات المياه المحجوزة خلف السد.
ونُشرت الدراسة في دورية “جورنال أوف هيدرولوجي”، وحذرت من أن هذه الظروف الإيجابية قد لا تستمر على المدى الطويل، خاصة في فترات الجفاف المستقبلية، حيث قد تواجه الدولتان انخفاضاً كبيراً في حصتهما من مياه النيل، مما سيبرز الآثار السلبية لسد النهضة بشكل أكبر، وأكدت الدراسة على ضرورة التوصل إلى اتفاق فعال ومنصف لإدارة الموارد المائية في حوض النيل.
واعتمد الباحثون على تقنيات الاستشعار عن بعد لتحليل تأثيرات ملء خزان سد النهضة على الموارد المائية في إثيوبيا والسودان ومصر خلال الفترة من 2013 إلى 2022.
وركزت الدراسة على تحليل التغيرات في مساحة السطح وحجم المياه وكميات الأمطار والتخزين المائي لخمسة خزانات رئيسية، بما في ذلك سد النهضة في إثيوبيا، وسدود الروصيرص ومروي في السودان، وبحيرة ناصر وتوشكى في مصر.
وأظهرت النتائج أن مساحة خزان سد النهضة انخفضت بنسبة 24 إلى 49% بعد المرحلتين الأولى والثانية من الملء، بسبب زيادة معدلات التسرب والتبخر.
في المقابل، لم تشهد خزانات الروصيرص ومروي تغييرات كبيرة، بينما زادت مساحة بحيرتي ناصر وتوشكى بشكل طفيف، وهو ما عزته الدراسة إلى زيادة معدلات الأمطار والفيضانات.
وحذرت الدراسة من أن استمرار عمليات ملء السد بالمعدلات الحالية خلال فترات الجفاف المستقبلية قد يؤدي إلى تراجع حصة مصر من مياه النيل بنسبة تصل إلى 35.47%، مما قد يتسبب في فقدان نحو 33.14% من المساحات الزراعية سنوياً، وأكد الباحثون على أهمية التوصل إلى اتفاق فعال لإدارة الموارد المائية لضمان استدامتها للأجيال القادمة.
من جانبه، شدد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، على ضرورة التوصل إلى اتفاق عادل لإدارة سد النهضة، لكنه انتقد التقديرات المبالغ فيها لتأثيرات السد، واصفاً إياها بأنها غير واقعية.
وأشار شراقي إلى أن سياسات ترشيد استهلاك المياه التي تبنتها مصر، مثل تقليص زراعة الأرز ومشروعات معالجة مياه الصرف الزراعي، ساعدت في تخفيف التأثيرات السلبية لسد النهضة.
بدوره، رأى الدكتور كارم عبد المحسن، الباحث في جامعتي ميشيغان وأريزونا، أن التقديرات الواردة في الدراسة تمثل “السيناريو الأسوأ”، مؤكداً أن فترة التأثيرات السلبية الكبيرة لسد النهضة قد انتهت بعد اكتمال ملء الخزان بأكثر من 60 مليار متر مكعب من المياه، وأضاف أن إثيوبيا ستضطر إلى تصريف المياه الزائدة إلى دول المصب، مما يقلل من التأثيرات الكارثية المحتملة.
كما اقترح عبد المحسن حلاً لتعويض المياه المفقودة خلال فترات الجفاف، يتمثل في إنشاء مسار إضافي لمفيض توشكى لشحن الخزان النوبي الجوفي، مما يساعد في استغلال المياه الزائدة بدلاً من فقدانها بسبب التبخر.
وفي سياق متصل، قدمت دراسة أخرى بقيادة الدكتور عصام حجي، الأستاذ بجامعة جنوب كاليفورنيا، تعريفاً جديداً للجفاف الممتد يعتمد على منسوب المياه في السد العالي بأسوان، مما قد يسهم في تسهيل المفاوضات حول إدارة سد النهضة خلال فترات الجفاف.