سلطت دراسة أميركية حديثة الضوء على واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدا في مسارات الهجرة العابرة للصحراء، حيث يواجه آلاف الأطفال الذين يمرون عبر ليبيا مستويات صادمة من العنف والاستغلال خلال رحلتهم نحو أوروبا.
وتعتمد الدراسة، التي أنجزت استنادا إلى مقابلات ميدانية واسعة، على شهادات مباشرة تكشف حجم المخاطر التي يتعرض لها القاصرون خصوصا غير المصحوبين في ظل غياب أي حماية قانونية ووقوعهم تحت سيطرة شبكات تهريب وجماعات مسلحة.
وبحسب معدي الدراسة، شكل إغلاق الحدود بين مصر والسودان في مايو 2024 نقطة تحول كبرى في طرق الهجرة، إذ اختفى المسار التقليدي ليحل محله طريق أكثر وعورة يعبر عمق الأراضي الليبية وصولا إلى السواحل الشمالية ثم إلى اليونان أو دول غرب البلقان.
وهذا التحول فتح المجال أمام شبكات التهريب لاستغلال الأطفال بشكل غير مسبوق، وفرض رسوم باهظة مقابل نقلهم، غالبا ضمن ظروف تنعدم فيها الإنسانية.
وأجمعت شهادات جميع الأطفال الذين تمت مقابلتهم على تعرضهم لأشكال متعددة من العنف داخل ليبيا، ووصفت الدراسة وجود مراكز احتجاز غير رسمية عبارة عن مستودعات أو حاويات معدنية تدار من قبل مهربين أو جماعات مسلحة، حيث يتم احتجاز القاصرين لأشهر تحت ظروف مهينة تشمل الضرب، الحرمان من الغذاء، العزل، وأحيانًا الاعتداء الجنسي.
ويتعرض الأطفال في هذه المراكز لابتزاز ممنهج عبر نظام “الديون التراكمية”، إذ يجبرون على العمل بالسخرة في مواقع بناء أو مخازن أو مزارع تحت تهديد التعذيب أو الترحيل إلى الصحراء، بينما ترتفع قيمة “الديون” كلما تقدمت رحلتهم، ما يضعهم في دائرة استعباد طويلة يصعب الخروج منها.
وقدم أطفال تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما شهادات مرعبة توثق حياتهم داخل هذه المراكز، أحدهم تحدث عن حرمانه من الطعام لأيام، وآخر عن احتجازه لفترة طويلة دون إمكانية الاستحمام، بينما كشف آخر عن فقدانه الوعي مرارا بسبب الجفاف وسوء التغذية.
وتؤكد الدراسة أن هذه الانتهاكات لا تقتصر على الأذى الجسدي بل تمتد إلى صدمات نفسية عميقة تستمر لسنوات.
والأطفال الذين ينجحون في الوصول إلى اليونان أو دول أخرى في الاتحاد الأوروبي يصلون في حالة صحية مزرية، يعانون من التهابات جلدية، وسوء تغذية، واضطرابات ناتجة عن الاحتجاز في بيئات غير إنسانية.
كما يواجهون آثارا نفسية طويلة الأمد تشمل اضطرابات ما بعد الصدمة ونوبات هلع وشعورًا دائمًا بالخوف وعدم الأمان.
وانتقدت الدراسة سياسات الهجرة الأوروبية ووصفتها بأنها غير كافية لحماية الأطفال، وكررت الدعوة إلى توفير مسارات آمنة ومنع احتجاز القاصرين إلا في حالات الضرورة القصوى.
وشددت على ضرورة تحسين أنظمة الاستقبال في الدول الأوروبية، ووضع معايير إلزامية لحماية الأطفال في الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالهجرة.
وأوصت الدراسة بإنشاء لجنة إشراف مستقلة ضمن “وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية” لمتابعة الالتزام بمعايير حماية الطفل قبل صرف أي دعم مالي للدول الشريكة، مع إعادة توجيه التمويل بعيدا عن الجهات المتورطة في الانتهاكات نحو منظمات إنسانية مستقلة.
وتكشف الدراسة، من خلال شهاداتها المروعة، أن معاناة الأطفال في طرق الهجرة عبر ليبيا ليست حوادث فردية، بل نمطا ممنهجا من العنف والاستغلال.
وفي ظل استمرار الأزمات الإقليمية التي تدفع المزيد من الأطفال إلى سلوك هذه الطرق، تؤكد الدراسة ضرورة تحرك دولي عاجل يضع حماية القاصرين في صدارة سياسات الهجرة.
ليبيا.. آلاف “عديمي الجنسية” ينتظرون تسوية أوضاعهم القانونية
