كانت إحاطة ستيفاني خوري الأخيرة للأمم المتحدة بشأن الوضع في ليبيا نموذجالدبلوماسية تفتقر إلى للواقعية، رغم زعم المبعوثة الدولية تمهيد الطريق للتقدم في المستقبل.
اقتراح خوري الوحيد أمام مجلس الأمن كان تشكيل لجنة فنية مكلفة بحل النزاعات حول القانون الانتخابي، لكن هذا الأمر لم يمنح الثقة في التعامل بجدية لمعالجة القضايا العميقة التي يعاني منها المشهد السياسي الليبي، وبدت إحاطتها أمام مجلس الأمن صورة للتناقضات في فهم الأطراف الدولية للأزمة الليبية، أما توصيات خوري فبينت أن الأمم المتحدة عاجزة عن إحداث تغيير حقيقي داخل المشهد الليبي.
جوهر اقتراح خوري الفارغ
قدمت خوري خطة لإنشاء لجنة فنية من الخبراء الليبيين؛ تهدف إلى حل النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية في البلاد، ورغم أن اقتراحا ظهر لتحريك الجمود السياسي المستمر، لكنه في نفس الوقت يعكس نمطا متكررا من الحلول الهشة التي ترسم مسارات لتدخل الأمم المتحدة في ليبيا خلال أكثر من عقد من الزمان.
وكان الاقتراح غامضا وتجنب الدخول في المسائل الحرجة، مثل مجال عمل اللجنة والجدول الزمني وآليات التنفيذ، كما حاول القفز على التحديات الأساسية الكبيرة التي تواجه ليبيا، مثل الفساد وانتشار الجماعات المسلحة، وانقسام المؤسسات بين طرابلس وبنغازي.
ومثلت مبادرة خوري الغامضة ذروة الفشل في كافة الجهود السابقة، مثل الحوارات السياسية الفاشلة في عام 2020، التي بلغت ذروتها في إنشاء سلطات انتقالية تعثرت في تنفيذ مهمتها بإجراء انتخابات بحلول ديسمبر 2021.
وبات الليبيون محبطين من المبادرات التي تبدو مصممة لإطالة أمد الأزمة بدلا من حلها، والواضح أن خطة خوري الخالية من الاستراتيجيات المبتكرة أو الالتزامات القابلة للتنفيذ ستتابع مسيرة الفشل الذي أصبح صفة ملازمة للمبادرات الأممية.
التضليل في الانتخابات البلدية
جلسة مجلس الأمن حول ليبيا كشفت عبر مداخلات المندوبين الدوليين خلال إحاطة خوري عن ابتعاد مقلق بخصوص الواقع الليبي، حيث أشاد ممثلو بريطانيا وفرنسا بالانتخابات البلدية الأخيرة باعتبارها “الأولى منذ عشر سنوات”، ويكشف التصريح عن جهل صارخ بالتاريخ الانتخابي في ليبيا.
وكانت الانتخابات البلدية تعقد بانتظام حتى في أوج الاضطرابات، ويقوض سوء الفهم بهذا الموضوع مصداقية الجهات الفاعلة الدولية وقدرتها على المساهمة بشكل بناء في العملية السياسية في ليبيا.
إضافة ذلك، فإن الرواية التي تتحدث عن ارتفاع نسبة الإقبال على التصويت التي أشاد بها العديد من المندوبين كانت منفصلة عن الواقع، ففي حين تجاوزت نسبة الإقبال 70% من الناخبين المسجلين، كان العدد الإجمالي للناخبين المسجلين 200 ألف ناخب فقط في 58 بلدية، بما في ذلك مصراتة، وهذه الأرقام هزيلة مقارنة بعدد سكان ليبيا الذي يتجاوز ستة ملايين نسمة، وهو ما يثير تساؤلات حول أهمية هذه العملية الانتخابية باعتبارها مقياساً للمشاركة الديمقراطية.
الانتقادات الروسية
إحاطة خوري كانت مناسبة لكافة الدول داخل مجلس الأمن بتقديم رواياتها الخاصة بخصوص الأزمة الليبية، وذلك على حساب معالجة التحديات المباشرة التي تواجهها ليبيا، وفيما أكدت الصين وروسيا على سرقة الأصول المجمدة في ليبيا، ركز مندوبون آخرون على انتهاكات حظر الأسلحة، بينما غاب بشكل كامل الاعتراف المباشر بدور تركيا في التحايل على الحظر من خلال عمليات أنقرة الخاصة، رغم أن معظم الدول الأعضاء في مجلس الأمن أشار إلى عملية إيريني التابعة للاتحاد الأوروبيالتي تراقب عمليات نقل الأسلحة إلى البلاد.
وسلطت انتقادات المندوب الروسي لنهج الأمم المتحدة الضوء على شعور متزايد بخيبة الأمل، فمن خلال تقديم “حلول” متكررة تفشل في مراعاة الديناميكيات السياسية المعقدة في ليبيا، تخاطر الأمم المتحدة بترسيخ الوضع الراهن بدلا من حله، وأشار المندوب الروسي لافتقار أي عمل دولي للمشاركة الليبية ما يقوض شرعية هذه الجهود.
وأما الولايات المتحدة فاستخدمت الجلسة لانتقاد تصرفات روسيا في ليبيا، مسلطة الضوء على المخاوف بشأن النفوذ الروسي، بينما انتقد المندوب الروسي اجتماع لندن الأخير بشأن ليبيا الذي استبعد أصحاب المصلحة الليبيين وتجاوز سلطة الأمم المتحدة، وانتقد أيضا خوري بسبب إعادة تدويرها لاستراتيجيات غير منتجة.
عمليا، فإن المحللين الليبيين انتقدوا بشكل دائم طريقة عمل الأمم المتحدة باستمرار لعجزها عن دمج المصلحة الليبية الحقيقية في مبادراتها، ولم تستطع إحاطة خوري التخفيف هذه المخاوف.
وأن التركيز على الحلول الفنية مثل اللجنة المقترحة يتجاهل الانقسامات السياسية العميقة التي منعت الإجماع على القوانين الانتخابية وهياكل الحكم والمصالحة الوطنية، فالانتقادات تنقل الشكوك في فعالية مثل هذه اللجان، حيث يخشى كثيرون أن يتم استقطاب العملية من قبل من يستغل الأزمة ما يؤدي إلى إدامة حلقة من الجمود وانعدام الثقة.
ولن تظهر جدية الأمم المتحدة في كسر حلقة التدخلات الفاشلة إذا لم تعتمد نهجا أكثر شمولا وواقعية، وهذا يعني التعامل مع طيف أوسع من المجتمع الليبي، بما في ذلك المجموعات المهمشة، والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، وأصحاب المصلحة الإقليميين، فتحقيق الاستقرار يتطلب معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار في ليبيا، من النفوذ غير المقيد للميليشيات إلى التفاوتات الاقتصادية التي تغذي الخصومات السياسية.
وإن التدابير الملموسة مثل فرض حظر الأسلحة، وضمان المساءلة عن سرقة الأصول، ودعم جهود المصالحة التي تقودها ليبيا؛ لابد أن تحل محل الاعتماد على اللجان المؤقتة والسلطات الانتقالية، والأهم هو أن يتلازم خطاب المجتمع الدولي مع الإجراءات الملموسة التي تعطي الأولوية لسيادة ليبيا ورفاهة شعبها.
وكانت إحاطة ستيفاني خوري أمام الأمم المتحدة فرصة لرسم مسار جديد لليبيا، لكن هذا الأمر لم يتحقق، فمن خلال إعطاء الأولوية للمقترحات السطحية على حساب التغيير الجوهري، تخاطر الأمم المتحدة بإدامة الانقسامات، وخروج ليبيا من مستنقعها يحتاج إلى أكثر من مجرد حلول إجرائية، فهو يتطلب إستراتيجية منسقة وشفافة وشاملة تعالج التحديات الأكثر إلحاحا.
بقلم مازن بلال
حركة الشباب تحتجز مروحية للأمم المتحدة كانت تقل عددا من الأجانب في الصومال