20 ديسمبر 2025

أثار لجوء عدد من شركات التنقيب والإنتاج العاملة في ليبيا إلى بيع شحنات من النفط الخام خارج القنوات الحكومية التقليدية جدلا واسعا، في ظل تحذيرات من تداعيات مالية وقانونية تطال إدارة عائدات الثروة النفطية في البلاد.

وخلال الأشهر الماضية، فعلت شركات محلية بندا تعاقديا قديما يعرف بآلية “الدفع بالوكالة”، يسمح لها بتسويق كميات محددة من النفط مباشرة لشركات دولية، بهدف تغطية احتياجاتها التمويلية، وهو ما ترتب عليه تحصيل عائدات مالية بعيدا عن الخزانة العامة.

ووفق معلومات اطلعت عليها منصات متخصصة في شؤون الطاقة، شملت هذه العمليات شركات مليتة للنفط والغاز، وأكاكوس للعمليات النفطية، وزويتينة للنفط، إضافة إلى شركة الخليج العربي للنفط (أجوكو).

وجرى بيع نفط خام تتجاوز قيمته 380 مليون دولار خلال الفترة الممتدة بين مارس وأكتوبر، لصالح شركات أجنبية من بينها “إيني” الإيطالية، و“ريبسول” الإسبانية، و“أو إم في” النمساوية، إلى جانب شركة أركينو الليبية.

وتستند هذه الآلية، بحسب مصادر، إلى بنود واردة في عقود تقاسم الإنتاج الموقعة خلال عهد النظام السابق، والتي تتيح للشركات بيع النفط مباشرة لتأمين تمويل عملياتها، في حال تعثر التمويل الحكومي، إلا أن استخدامها المكثف مؤخرا أعاد فتح ملف الشفافية والرقابة على عائدات النفط.

وتنتج ليبيا حاليا قرابة 1.4 مليون برميل من النفط الخام يوميا، ويعد النفط المصدر شبه الوحيد لإيرادات الدولة، إذ بلغت قيمة الصادرات النفطية نحو 28.7 مليار دولار في عام 2024، وفق أحدث بيانات منظمة أوبك.

وفي أواخر نوفمبر الماضي، عقدت جهات رسمية، من بينها اللجنة الوطنية للإصلاحات، والبنك المركزي، وديوان المحاسبة، والنيابة العامة، اجتماعا خصص لبحث آلية “الدفع بالوكالة” وتأثيراتها المحتملة على الموازنة العامة وإدارة الموارد السيادية.

وتصف تقارير متخصصة هذه الآلية بأنها تفتقر إلى معايير الشفافية والرقابة، وقد تفتح الباب أمام سوء الاستخدام أو تحقيق مكاسب غير مشروعة، نظرًا لتحويل جزء من عائدات النفط بعيدًا عن البنك المركزي، الجهة المخولة قانونًا بإدارة الثروة النفطية الليبية.

وفي هذا السياق، نقلت تقارير إعلامية عن مسؤولين في وزارة المالية تحذيرهم من أن هذه المدفوعات لا تسجل كإيرادات أو نفقات رسمية، ما يجعلها خارج الإطار المالي للدولة، ويقوض مبدأ وحدة الإيرادات العامة.

وعادة ما تتولى المؤسسة الوطنية للنفط تسويق الخام الليبي لحساب الدولة، على أن تحول العائدات إلى حسابات وزارة المالية لدى المصرف المركزي في طرابلس، مع تخصيص حصص من الإنتاج لشركات النفط الدولية الشريكة، التي تلتزم بدفع الضرائب وحقوق الامتياز.

غير أن النفط المباع ضمن آلية “الدفع بالوكالة” يعد جزءا من الإنتاج الليبي، ولا يدخل ضمن حصص الشركاء الأجانب، ما يثير تساؤلات حول مصير هذه الإيرادات وسبل إنفاقها، في ظل غياب ميزانية موحدة للدولة.

ويربط خبراء توسع استخدام هذه الآلية بالأزمة السياسية المستمرة في ليبيا، حيث حال الانقسام بين حكومتين متنافستين في الشرق والغرب دون إقرار ميزانية موحدة منذ سنوات، ما دفع بعض الشركات إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة لضمان استمرار عملياتها.

ويحذر محللون من أن استمرار العمل بهذه الآلية يؤدي إلى استنزاف إضافي لإيرادات الدولة، وتقويض جهود إصلاح القطاع النفطي، خاصة مع بروز دور شركات خاصة مثيرة للجدل، مثل شركة أركينو، التي أشارت تقارير أممية إلى خضوعها لنفوذ شخصيات نافذة في شرق البلاد.

وفي المقابل، تشهد ليبيا زيادة ملحوظة في إنتاج النفط منذ مطلع عام 2025، مع اقتراب متوسط الإنتاج من 1.3 مليون برميل يوميًا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، مقارنة بنحو 1.07 مليون برميل يوميا في الفترة نفسها من عام 2024.

وتسعى السلطات الليبية إلى رفع الإنتاج إلى مليوني برميل يوميا بنهاية العقد الحالي، عبر خطة شاملة تشمل تطوير الحقول القائمة، واستغلال الحقول غير المستغلة والهامشية، وتعزيز أنشطة الاستكشاف، إلى جانب الاستثمار في الغاز والطاقة المتجددة.

وتشير التقديرات إلى امتلاك ليبيا احتياطيات نفطية غير مطورة تقدر بنحو 4 مليارات برميل، فضلا عن موارد ضخمة من النفط الصخري والغاز الطبيعي، ما يجعل إدارة العائدات النفطية محورا أساسيا في أي مسار اقتصادي أو سياسي مستقبلي للبلاد.

عملية إنقاذ ناجحة لـ 20 مهاجرا علقوا في صحراء الحمادة الحمراء بليبيا

اقرأ المزيد