جدد خبراء ومختصون جزائريون الدعوة إلى تحرك عاجل لمعالجة ما خلفته التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية خلال الحقبة الاستعمارية، محذرين من استمرار التأثيرات البيئية والصحية لهذه التفجيرات التي بدأت قبل أكثر من ستة عقود ولا تزال تداعياتها ماثلة حتى اليوم.
وخلال ندوة علمية نظمت أمس الأربعاء تحت عنوان “التحديات الراهنة في تطهير مواقع التجارب النووية الفرنسية”، شدد رئيس الأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيات، محمد هشام قارة، على أن ملف التفجيرات النووية يمثل إحدى القضايا الأكثر إلحاحا في جدول الذاكرة الوطنية.
وقال إن “الأضرار التي لحقت بالإنسان والبيئة والحيوان ما تزال قائمة، ما يجعل تطهير المواقع وتعويض الضحايا وفتح الأرشيف خطوة ضرورية لا يمكن تأجيلها”.
وأكد أن التقدم العلمي الحالي يمكن أن يسهم في تحديد مواقع التفجيرات ومقابر النفايات المشعة، بما يسمح ببدء عمليات تنظيف منهجية.
ومن جهته، دعا منسق اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، محمد لحسن زغيدي، السلطات الفرنسية إلى الكشف الكامل عن الخرائط والمعلومات المتعلقة بمواقع دفن النفايات النووية، وتحمل المسؤولية التاريخية عن الأضرار الناجمة عنها، مؤكدا أن هذا الملف يمثل أحد أبرز محاور النقاش بين الجزائر وباريس ضمن مسار الذاكرة.
كما أكدت وزيرة البيئة وجودة الحياة، نجيبة جيلالي، في مداخلة سابقة أمام البرلمان، أن الجزائر تعتزم إدراج مطلب إلزام فرنسا بإزالة مخلفات التفجيرات النووية ضمن التشريعات الوطنية، بوصفه حقا للأجيال الحالية والمقبلة، ولتحقيق ما سمّته “العدالة التاريخية والبيئية”.
واعتبرت أن المناطق الأكثر تضررا، على غرار رقان وأدرار وإين إكر، عانت ولا تزال تعاني من نتائج كارثية للتجارب التي وصفتها بـ”الانتهاك الصارخ لحق الشعب والبيئة”.
واستعرض الباحث في الفيزياء النووية، علي مفتاح، الخلفية التاريخية والسياسية للتجارب النووية الفرنسية، وقدم رؤية تقنية لمسار التطهير، تشمل تحديد المناطق الملوثة، وقياس مستويات الإشعاع، وإجراء دراسات وبائية لرصد الأمراض المرتبطة بالتلوث النووي.
وأكد أن معالجة الملف تتطلب مقاربة علمية دقيقة وتعاونا دوليا، لكون آثار التفجيرات لا تزال تُسجّل على مستوى البيئة والصحة العامة.
ورغم الاتفاق الذي توصلت إليه الجزائر وفرنسا في أغسطس 2022 بشأن إنشاء لجنة مشتركة للذاكرة لمناقشة الملفات العالقة، فإن عمل اللجنة تعثر منذ تصاعد الخلافات السياسية بين البلدين منتصف عام 2024.
ودعا المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، منسق اللجنة عن الجانب الفرنسي، إلى استئناف عملها، مؤكداً في مقال بصحيفة “لاكروا” أن معالجة ملف التفجيرات النووية باتت “ضرورة سياسية واجتماعية ملحة”.
وأجرت فرنسا بين 1960 و1966 ما مجموعه 17 تجربة نووية و40 تجربة إضافية في الصحراء الجزائرية، مخلفة مستويات خطيرة من التلوث الإشعاعي.
وتشير تقارير محلية ودولية إلى ارتفاع حالات السرطان، والأمراض التنفسية المزمنة، والتشوهات الخَلقية في المناطق المتضررة، إلى جانب تدهور الأراضي والزراعة وسبل العيش، ما أدى إلى إنهاك المجتمعات المحلية لسنوات طويلة.
وفي سياق متصل، شدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حوار تلفزيوني سابق على أن تطهير مواقع التجارب النووية “واجب إنساني وأخلاقي وسياسي”، مطالبا فرنسا بالكشف الدقيق عن أماكن التجارب ومواقع دفن المواد المشعة، ومشيرا إلى استمرار تضرر الحيوانات والموارد الطبيعية في مناطق الجنوب منذ سبعينيات القرن الماضي.
وعلى المستوى الدولي، وقعت 20 منظمة عالمية معنية بحظر السلاح النووي والعدالة البيئية، خلال اليوم العالمي لمناهضة التجارب النووية في أغسطس الماضي، وثيقة تدعو فرنسا إلى الاعتراف بمسؤوليتها الكاملة عن التجارب التي أجرتها في الجزائر، مع تعويض الضحايا والكشف عن كل الوثائق والخرائط ذات الصلة، وبدء عملية تطهير شاملة للمناطق الملوثة بالإشعاع.
22 ألف قتيل ضحايا الإرهاب في إفريقيا خلال 2024
