05 ديسمبر 2025

محمد الصالحين رئيس تحرير صحيفة العرب اللندنية، الهوني قدّم قراءة لأزمة السودان، مؤكداً أن البلاد عالقة بين سيئ وأسوأ وسط صراع مسلح وانتهاكات ومشهد سياسي وقضائي وإعلامي مختل، مع بروز ازدواجية خطيرة بين شرعية عسكرية متآكلة وتغوّل السلطة على العدالة والكلمة الحرة.

وأوضح الهوني أن الجيش السوداني، الذي يُنظر إليه خارجياً باعتباره المؤسسة الرسمية للدولة، متورط في انتهاكات جسيمة لا تقل خطورة عن تلك المنسوبة لقوات الدعم السريع، مستنداً إلى تقارير حقوقية تتحدث عن استخدام القصف المدفعي والجوي بل وحتى أسلحة كيمياوية في مناطق مأهولة بالسكان، ما أوقع مئات الضحايا المدنيين وفتح الباب أمام اعتقالات واسعة استهدفت ناشطين وصحافيين.

ورأى أن تركيز الإعلام منذ اندلاع الحرب على جرائم الدعم السريع من قتل جماعي واغتصاب وتهجير قسري لا يُعفي المؤسسة العسكرية من مسؤوليّاتها عن القمع الدموي والقصف العشوائي.

وأشار الكاتب إلى أن عبد الفتاح البرهان لم يكن يوماً طرفاً محايداً، مذكّراً بتوليه قيادة الجيش عقب سقوط عمر البشير عام 2019 ثم رئاسته للمجلس العسكري الانتقالي، قبل أن ينفذ في عام 2021 انقلاباً أطاح بالشراكة مع المكوّن المدني وألغى الوثيقة الدستورية التي شكّلت أساس الانتقال الديمقراطي.

واعتبر أن هذا الانقلاب أعاد السودان إلى الحكم العسكري المباشر، وعمّق الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية، بحيث لم تعد المواجهة الراهنة مجرد صراع بين “دولة” و”ميليشيا”، بل بين مؤسسة عسكرية غارقة في الانتهاكات وميليشيا تمارس العنف على نطاق واسع، فيما يدفع المدنيون الثمن الأكبر.

ولفت الهوني إلى أن المأساة السودانية تجاوزت ميدان المعارك لتصل إلى ساحات القضاء والإعلام، بعدما تحولت المحاكم إلى أدوات للصراع السياسي، وأصبحت الصحافة هدفاً مباشراً للتضييق والترهيب.

واستشهد بحكم الإعدام الصادر على الناظر مأمون هباني بعد اعتقال دام أكثر من سبعة أشهر في ظروف قاسية ودون تمكينه من حق الدفاع، بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع.

ونقل عن حزب الأمة القومي اعتباره القضية نموذجاً لاستغلال القضاء في تصفية الحسابات السياسية، وقرينة على تحوّل العدالة إلى ذراع تنفيذية للسلطة.

وبيّن الكاتب أن قضية هباني ليست سوى مؤشر على ازدواجية خطيرة في تطبيق القانون، حيث تُفتح ملفات ضد شخصيات لمجرد بقائها في مناطق سيطر عليها الدعم السريع، بينما تُستقبل شخصيات أخرى متهمة بجرائم حرب بلا مساءلة.

وأكد أن العدالة باتت أداة انتقائية لترهيب المجتمع وإخضاعه، ما يعمّق فقدان الثقة في مؤسسات الدولة ويجعل القانون وسيلة عقابية لا منظومة إنصاف.

وتناول الهوني أيضاً الهجمة المتصاعدة على الإعلاميين، مشيراً إلى بيان منتدى الإعلام السوداني الذي ندد بملاحقات تطال صحافيين عبر تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام، في واقع يجعل الكلمة الحرة تُعامل كجريمة تعادل حمل السلاح.

وأوضح أن صحافيين بارزين مثل رشا عوض وشوقي عبدالعظيم وماهر أبوالجوخ وصباح محمد الحسن يواجهون ليس فقط الملاحقات الجنائية، بل أيضاً حرماناً من حقوقهم الأساسية، بما يكشف أن الإعلام والعدالة باتا أدوات ضغط لإسكات الرقابة المجتمعية.

وأكد الكاتب أن ما يحدث اليوم ليس ظاهرة جديدة، بل امتداد لنهج طويل من تسييس القضاء وتكميم الصحافة، لكن الحرب جعلت هذا المسار أكثر قسوة ووضوحاً.

وأشار إلى أن هذه الممارسات تفاقم شعور المواطنين بانعدام الثقة في الدولة، فيما تتدهور صورة السودان خارجياً لدى شركائه الدوليين الذين كانوا يرونه فاعلاً مهماً في ملفات الطاقة والهجرة، ليجدوا اليوم دولة تُعدم رموزها المجتمعية وتطارد صحافييها.

وختم الهوني بأن السودان يعيش مأساة مركبة يجتمع فيها جيش فقد شرعيته وقضاء مسيّس وصحافة ملاحَقة، فيما يدفع المدنيون ثمن الصراع في الميدان والمحاكم وغرف التحرير.

ورأى أن التركيز الدولي على جرائم الدعم السريع يغفل مسؤولية الجيش بقيادة البرهان، وأن استمرار هذا التوازي بين عنف المؤسسة وعنف الميليشيا يهدد بانسداد كامل للدولة، ويجعل كلفة الحرب تُدفع من رصيد المجتمع، بينما تُستخدم العدالة والإعلام لتثبيت السيطرة لا لحماية الحقيقة.

موسكو والخرطوم تبحثان إنهاء العنف في السودان

اقرأ المزيد