تونس تستعد لاحتضان الدورة الـ36 من “أيام قرطاج السينمائية” بين 13 و 20 ديسمبر 2025، في نسخة أكثر انفتاحاً على الفضاءين العربي والإفريقي، مع برنامج ثري يجمع بين الأفلام الروائية والوثائقية والقصيرة.
وتكشف دورة هذا العام عن برمجة واسعة تحتفي بالأعمال التي نشأت من رحم المقاومة والذاكرة والتحولات المجتمعية الكبرى، بما يعيد تثبيت مكانة المهرجان كمنصة عربية إفريقية تمنح صوتاً للسينمائيين الذين يواجهون بالكاميرا العنف والنسيان.
وتتوزع برمجة الدورة على مسارات متنوعة تشمل التكريمات والعروض المتنافسة والأقسام الموازية، إضافة إلى برامج خاصة تفتح نوافذ على سينمائيات بعيدة جغرافياً لكنها متقاربة فنياً وإنسانياً، وتحمل الدورة السادسة والثلاثون سياقاً سياسياً وثقافياً لافتاً، إذ تتقاطع مع مرحلة عربية مشحونة بالأحداث التي أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي.
ومنذ إعلان البرنامج، برز اختيار فلسطين محوراً مركزياً في هذه الدورة، ليس عبر الشعارات بل عبر عروض وشهادات وتكريمات تعيد الإنسان الفلسطيني إلى مركز الحكاية.
وتقدم البرمجة أفلاماً عديدة تتناول غزة من زوايا مختلفة، يتصدرها الوثائقي “من المسافة الصفر”، المصور خلال الهجمات التي تلت 7 أكتوبر 2023، والذي يقدم رؤية من الداخل تنقل تفاصيل الحياة تحت القصف ورحلة الناس بين الخوف والصمود، وترى إدارة المهرجان أن العمل يمثل وثيقة تاريخية تحفظ الذاكرة في مواجهة محاولات محوها.
ويكون الافتتاح بفيلم فلسطيني للمخرجة آن ماري جاسر بعنوان “فلسطين 36“، وهو عمل روائي يمثل فلسطين في سباق أوسكار 2026، ويتقاطع فيه الشخصي بالجماعي عبر حكايات تتناول الذاكرة والهوية وإصرار الفلسطينيين على البقاء، وتخصص أيام قرطاج مساحة موسعة للسينما العربية، مع إبراز تجارب الجيل الجديد من المخرجين العرب الذين يسعون إلى إعادة تشكيل الصورة وصوغ جماليات جديدة.
وفي سياق آخر، تحضر السينما البيئية بقسم خاص يعرض أعمالاً تونسية وعربية تعالج قضايا الماء والغابات والتغيرات المناخية والعيش المشترك مع الطبيعة، كما تتسع دائرة الاحتفاء لتشمل سينمائيات تتقاطع مع فلسطين في الذاكرة والألم، مثل السينما الأرمنية التي تحمل إرث الشتات، والسينما اللاتينية المرتبطة بمحطات المقاومة الشعبية، والأفلام الإسبانية التي تستعيد العلاقة بين الفرد والتاريخ.
ويشير محمد طارق بن شعبان، مدير الدورة، في حديثه لـ”سبوتنيك” إلى أن هذه النسخة تأتي بروح مقاومة أرادها فريق التنظيم منذ وضع الخطوط الأولى للبرمجة، مؤكداً أن القضية الفلسطينية ليست محوراً عابراً بل “خيار واعٍ” يعكس التزام المهرجان بتاريخ طويل في الدفاع عن قضايا الشعوب.
ويشدد على أن غزة تعود بقوة إلى شاشة قرطاج من خلال أعمال توثق الألم وتعيد تشكيل الأمل، قائلاً إن الهدف هو استحضار المأساة اليومية للفلسطينيين عبر كاميرات ترصد قدرتهم على خلق الجمال وسط الدمار.
ويلفت بن شعبان إلى أن فيلم الافتتاح “فلسطين 36” يجمع بين الشخصي والجماعي ويفتح أسئلة الذاكرة والهوية وعلاقة الإنسان بأرضه، مشيراً إلى حضور المخرجة وفريقها في ليلة الافتتاح لتكون مناسبة للقاء وتبادل الحوار.
ولا يتوقف الحضور الفلسطيني عند الافتتاح، إذ تتضمن البرمجة ثمانية أفلام وثائقية صُوّرت خلال الأسابيع الأخيرة من الإبادة الجماعية في غزة، إضافة إلى فيلم طويل بعنوان “مهرج غزة” يصوّر رحلة مهرج عاد إلى القطاع بعد تهجيره ليجد كل شيء مدمراً ويحاول رغم ذلك إعادة الفرح وسط الركام.
ويؤكد مدير الدورة أن مهرجان قرطاج السينمائي “مهرجان مقاومة” لا يتعامل مع السينما كتجارة، بل كفكر ومنصة للنقاش حول القضايا الكبرى، وهو ما يجعل الدورة الحالية امتداداً طبيعياً لتاريخ المهرجان.
وفي الجانب التكريمي، يكشف عن أسماء بارزة تحتفي بها الدورة، من بينها زياد الرحباني الذي يصفه بـ”رمز فني للمقاومة”، إضافة إلى المخرجين محمد فاضل الجزيري وبولان سوما نو فييرا وسليمان سيسيه، فضلاً عن ثلاثة أعمال مخصصة لتوثيق علاقة الفنانة العالمية كلوديا كاردينالي بتونس ومسيرتها السينمائية.
ومن جانبه، يقدم شاكر الشيخي، المكلف بتسيير المركز الوطني للسينما والصورة، قراءة موسعة للتحضيرات التي رافقت هذه الدورة، مشيراً إلى أن العمل انطلق قبل ستة أشهر في ظروف دقيقة تتعلق بجاهزية الفضاءات والاستقبال.
ويوضح أن الفريق عمل على تأمين القاعات وضمان شروط تقنية ولوجستية مطابقة لمعايير المهرجان، معتبراً أن الضيوف ليسوا ضيوف المهرجان فقط بل “ضيوف تونس”، وهو ما يضاعف مسؤولية التنظيم والجودة.
ويشير الشيخي إلى أن الاستعدادات شملت تفاصيل الإقامة والتنقل والبرمجة التقنية للعروض، خاصة مع حجم الانتظار الذي تحظى به هذه الدورة، ويكشف أن المهرجان سيُقام في أربع قاعات بمدينة الثقافة وتسع قاعات سينمائية في العاصمة وأحيائها، إلى جانب عروض مفتوحة في شارع الحبيب بورقيبة عبر قاعة متنقلة تستقبل عروضاً سينمائية نهاراً وموسيقية مساءً.
وبرغم هذه الترتيبات، يعترف بوجود تحديات تتعلق بالبنية التحتية، مؤكداً أن بعض القاعات تعاني نقائص تقنية دفعت إلى استئجار فضاءات جديدة بميزانية بلغت 250 ألف دينار تفادياً لنواقص الدورات السابقة وضماناً لسير العروض دون تعطيل.
وعن الجانب المالي، يوضح الشيخي أن ميزانية الدورة تبلغ 3.8 مليون دينار، منها 3 ملايين من منحة المركز الوطني للسينما والصورة باعتباره الجهة المنظمة، و 800 ألف دينار من المستشهرين التقليديين والجدد ومن مداخيل بيع التذاكر، ويؤكد أن الفريق عمل هذا العام على تنويع الشركاء واستقطاب مؤسسات جديدة تدعم المهرجان وتوفر استدامة مالية أكبر.
وفاة 35 تونسياً خلال الحج في السعودية
