قررت تونس سحب اعترافها باختصاص المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان، في خطوة وصفتها منظمات حقوقية بتراجع خطير عن التزاماتها الدولية، وجاء القرار وسط توترات سياسية داخلية، حيث يواجه معارضون بارزون محاكمات بتهم “التآمر”.
أعلنت تونس سحب اعترافها باختصاص المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهي خطوة أثارت استنكاراً واسعاً من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية، واعتبرتها تراجعاً عن التزامات البلاد بحماية الحريات وحقوق الإنسان.
وجاء الإعلان، الذي نُشر الخميس الماضي، ليؤكد أن الحكومة التونسية “تعلن سحب اعترافها باختصاص المحكمة في قبول الشكاوى المقدمة من الأفراد والمنظمات غير الحكومية”، دون أن يوضح أسباباً محددة لهذا القرار.
وتعد المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان، التي تتخذ من مدينة أروشا التنزانية مقراً لها، واحدة من الآليات القضائية الرئيسية التابعة للاتحاد الإفريقي، والمكلفة بتطبيق الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
ولم تعلق وزارة الخارجية التونسية على طلبات التعليق التي قدمتها وكالة الصحافة الفرنسية بشأن هذا القرار.
وكانت تونس قد منحت مواطنيها والمنظمات غير الحكومية الحق في تقديم شكاوى مباشرة إلى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان في عام 2017، وذلك في إطار التزامها بحماية حقوق الإنسان بعد أن برزت كواحدة من الدول الديمقراطية النادرة في المنطقة إثر الانتفاضات الشعبية التي عُرفت باسم “الربيع العربي” عام 2011.
ومع ذلك، شهدت البلاد تحولات سياسية كبيرة بعد انتخاب الرئيس قيس سعيد في عام 2019، حيث قام في عام 2021 بتعزيز صلاحياته بشكل كبير، مما أثار مخاوف من تراجع الحريات والديمقراطية.
وأعربت منظمات حقوقية عن قلقها إزاء هذا القرار، معتبرة إياه انتكاسة لالتزامات تونس الدولية والإقليمية في مجال حقوق الإنسان، ووصفت “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” القرار بأنه “سري ومباغت”، مؤكدة أنه يمثل “انتكاسة خطيرة” لالتزامات تونس و”محاولة للانسحاب من آلية قضائية مستقلة يمكن أن تحد من الإفلات من العقاب وتضمن الإنصاف للضحايا”.
من جهتها، قالت “اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس” إن سحب الاعتراف “يلغي التزاماً تاريخياً” تجاه المحكمة الإفريقية، واصفة القرار بأنه “تنصل مخجل” من التعهدات الدولية لتونس.
وأضافت اللجنة أن هذا القرار “يحرم المواطنين التونسيين ومنظمات المجتمع المدني من إمكانية اللجوء إلى المحكمة الأفريقية للطعن في انتهاكات الدولة”.
يأتي هذا القرار في ظل توترات سياسية داخلية، حيث يقبع عشرات من أبرز معارضي الرئيس قيس سعيد في السجن، ويواجه بعضهم محاكمات جماعية بتهم مثل “التآمر ضد أمن الدولة”.
وقد رفع أقارب أربعة من الشخصيات المعارضة، بينهم زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، دعوى أمام المحكمة الإفريقية في مايو 2023 للمطالبة بالإفراج عنهم.
وفي أغسطس الماضي، أصدرت المحكمة حكماً يلزم السلطات التونسية بضمان حقوق الموقوفين، بما في ذلك حقهم في الاتصال بمحاميهم وأطبائهم.
واعتبرت منظمات حقوقية أن القضايا الموجهة ضد المعارضين ذات دوافع سياسية، وأن سحب تونس اعترافها باختصاص المحكمة الإفريقية يهدف إلى تجنب المساءلة الدولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
يُعتقد أن قرار تونس سحب اعترافها باختصاص المحكمة الأفريقية سيحد من قدرة المواطنين والمنظمات غير الحكومية على اللجوء إلى هذه الآلية الدولية للطعن في انتهاكات الدولة.
كما يُنظر إليه على أنه خطوة تتعارض مع التزامات تونس السابقة بدعم آليات العدالة الدولية وتعزيز حقوق الإنسان، خاصة في ظل التحديات السياسية والحقوقية التي تواجهها البلاد حالياً.