05 ديسمبر 2025

ورأت قوى المعارضة أن الأحكام “قاسية وجائرة” وصادرة عن “سلطة متعنتة”، معتبرة أن القضاء فقد استقلاليته وبات انعكاساً واضحاً لإرادة السلطة التنفيذية التي يمسك بها الرئيس قيس سعيّد، وانتقدت ما وصفته بـ”محاكمة تفتقر إلى الأدلة” و”مسار قضائي موجّه” استخدم لمعاقبة معارضين من مختلف التيارات.

وقالت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إن الأحكام جاءت نتيجة إجراءات تفتقر كلياً لشروط المحاكمة العادلة، مشيرة إلى طابع انتقامي للملف يستهدف إقصاء الأصوات المخالِفة، ودعت إلى إلغاء الأحكام وإيقاف التتبعات واعتماد مسار قضائي ينسجم مع الدستور والمعايير الدولية.

وتقاطعت هذه الانتقادات مع موقف منظمات دولية، بينها منظمة العفو الدولية، التي اعتبرت أن تأييد العقوبات “يؤكد تحول القضاء إلى أداة لتصفية المعارضة”، ووصفت المحاكمة بأنها “صورية” شابتها انتهاكات خطيرة، من بينها منع المتهمين من حضور جلساتهم.

وكشفت الأحكام الجديدة عن تشدد لافت، إذ رفعت محكمة الاستئناف العقوبة ضد القيادي بجبهة الخلاص جوهر بن مبارك—المضرب عن الطعام منذ شهر—من 18 إلى 20 سنة، ورفعت العقوبات بحق عصام الشابي وغازي الشواشي ورضا بالحاج، كما تم تشديد عقوبة محمد الحامدي من 13 إلى 17 سنة.

وفي المقابل، خفّضت المحكمة الحكم الصادر ضد زعيم جبهة الخلاص نجيب الشابي من 18 إلى 12 سنة، وخفضت عقوبة خيام التركي من 48 إلى 35 سنة، وعقوبة نور الدين البحيري من 43 إلى 20 سنة، كما خفّضت عقوبات الصحبي عتيق ومحمد الفرجاني إلى 10 سنوات، وأسقطت الدعوى عن لزهر العكرمي ونور الدين بوطار وحطاب سلامة.

وجاءت الجلسة الثالثة من المحاكمة في أجواء مشحونة، إذ احتج المحامون على إجراء الجلسة عن بُعد رغم رفض المتهمين، معتبرين أن غياب المواجهة المباشرة أفرغ حق الدفاع من مضمونه وحوّل المحاكمة إلى إجراء شكلي، واتهم أعضاء هيئة الدفاع المحكمة بتجاهل الاستنطاقات الفردية وطلبات الترافع، فيما علت شعارات داخل القاعة وخارجها مندّدة بما سماه المحتجون “قضاء التعليمات”.

ورأى معارضون أن الأحكام كانت متوقعة في ظل خطاب رسمي متشدد، مستشهدين بتصريحات الرئيس قيس سعيّد التي وصف فيها معارضيه بـ”الخونة والعملاء”، معتبراً أن “التاريخ حكم عليهم قبل القضاء” وأن “من يبرئهم فهو شريك لهم”، وهو ما اعتُبر تدخلاً مباشراً في عمل القضاء.

وبينما اعتبر بعض المراقبين أن الإفراجات الأخيرة عن عدد من الوجوه السياسية—مثل سنية الدهماني وسمير الطيب وعبد العزيز المخلوفي وعدد من قيادات النهضة—قد تشكّل مؤشراً على تهدئة سياسية، رأى آخرون أنها مجرد “استراحة قصيرة” سبقت موجة الأحكام المشددة، مؤكدين أن السياق العام لا يوحي بأي انفراج.

وتزامنت الأحكام مع توتر ديبلوماسي لافت، بعدما استدعى الرئيس سفير الاتحاد الأوروبي جوزيبي بيرّوني محتجاً على تحركاته، وخاصة لقائه الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، كما وجّه تعليمات لوزير الخارجية بإصدار احتجاج مماثل ضد سفير هولندا، رداً على ضغوط أوروبية للإفراج عن الدهماني.

وفي تعليق له، قال زعيم جبهة الخلاص نجيب الشابي إن الأحكام الاستئنافية “صدرت عن موظفين يتبعون السلطة التنفيذية وينفذون تعليمات واضحة”، مؤكداً أن الهدف هو تمرير “أحكام جاهزة” تستهدف شخصيات معارضة دون مراعاة حق الدفاع أو معايير التقاضي العادل، وأوضح أن الحكم الصادر بحقه—المخفض إلى 12 سنة—بات نهائياً، ما يضعه أمام تنفيذ العقوبة قريباً دون ضمانات توقف الإجراء.

ومن جانبه، رأى القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي أن الأحكام ستضاعف الاحتقان السياسي، لأنها “تشدد القبضة على المعارضة وتؤكد إصرار السلطة على نهج التصعيد”، محذراً من تداعياتها على وضع سجناء يعانون ظروفاً صحية حرجة مثل نور الدين البحيري، أو آخرين يخوضون إضرابات طويلة مثل جوهر بن مبارك.

وبدوره، قال عز الدين الحزقي، والد جوهر بن مبارك، إن ما حدث “ليس محاكمة بل توزيعاً لسنوات السجن” دون استنطاقات أو مرافعات أو احترام أبسط شروط العدالة، وأكد أن القضية صدر فيها حكمان، ابتدائي واستئنافي، “دون محاكمة حقيقية”، معتبراً ذلك نتيجة طبيعية لـ”سياق الانقلاب والاستبداد”.

وأوضح الحزقي أن الحالة الصحية لابنه تدهورت بسبب الإضراب المتواصل، بعد نقله للمستشفى ثماني مرات، مؤكداً أن جوهر يصر على الإضراب “لأنه كشف هشاشة القضاء ومن يسيطرون على السلطة بالقوة”، وأنه “يدفع اليوم ثمن دفاعه عن الديمقراطية” منذ قرارات 25 يوليو 2021.

وبهذا، تكرّس الأحكام الأخيرة مشهداً سياسياً مأزوماً، يعمّق الشروخ بين السلطة ومعارضيها، ويضع البلاد أمام مرحلة أكثر توتراً في ظل استمرار الاتهامات باستغلال القضاء لتصفية الخصوم وإحكام السيطرة على الحياة السياسية.

اقرأ المزيد