23 مارس 2025

ليبيا شهدت خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق في عمليات تهريب الوقود، ما يكبد البلاد خسائر مالية ضخمة، وسط استمرار تعافي قطاع النفط من تداعيات الصراعات الداخلية.

وكشف تقرير أممي أن هذه التجارة غير المشروعة تكلف الدولة مليارات الدولارات سنوياً، مع الإشارة إلى ميناء بنغازي بوصفه أحد المراكز الرئيسية لهذه العمليات.

ورغم أن تهريب الوقود ليس جديداً في ليبيا، إلا أن الظاهرة شهدت تزايداً ملحوظاً خلال السنوات الأربع الأخيرة.

وأكد تقرير الأمم المتحدة أن نظام “مقايضة الخام بالوقود”، الذي اعتمدته المؤسسة الوطنية للنفط، ساهم في تفاقم المشكلة، حيث تعاني ليبيا من ضعف القدرة التكريرية، ما يجبرها على تصدير النفط الخام واستيراد الوقود، الذي يتم بيعه بأسعار مدعومة، ليعاد تهريبه وبيعه في السوق السوداء بأسعار مرتفعة.

وأظهرت البيانات أن عمليات المقايضة سجلت عائدات بقيمة 8.65 مليار دولار بين عامي 2021 و2023، لكنها أدت إلى زيادة التهريب، حيث اختفت ناقلة الوقود “ماردي” نهاية مارس 2024 أثناء تتبع مسارها، قبل أن تظهر مجدداً شمال ليبيا بعد شهر.

كما كشف التقرير أن 48 ناقلة من بينها “ماردي”، زارت ميناء بنغازي القديم 14 مرة حتى ديسمبر 2024، ما أسفر عن تهريب 13 ألف طن من الديزل.

وكشفت التحقيقات عن ظهور شركات خاصة غير معروفة تعمل في تصدير النفط واستيراد الوقود وإعادة تهريبه، ومن أبرزها شركة “أركينو” الليبية، التي حصلت على عقود تصدير نفط بقيمة 463 مليون دولار، رغم أنها تأسست عام 2023 فقط، ويُعتقد أنها مرتبطة باستثمارات غير مباشرة لنجل المشير خليفة حفتر قائد القوات المسلحة الليبية.

كما تم رصد 8 شركات أخرى، غالبيتها مسجلة في الإمارات، رغم عدم تصنيفها كشركات نفطية، لكنها حصلت على تراخيص استيراد الوقود لصالح ليبيا، ما أثار تساؤلات حول طبيعة عملها وعلاقاتها المحتملة بشبكات التهريب.

ويبلغ الطلب السنوي على الوقود في ليبيا 11 مليون طن، بمعدل استهلاك فردي يصل إلى 2000 لتر سنوياً، أي ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.

ووفق بيانات البنك المركزي الليبي، بلغت فاتورة استيراد الوقود 8.5 مليار دولار سنوياً، فيما كلف الدعم الحكومي 12.5 مليار دولار بين 2021 و2023، ذهب أغلبه إلى وقود يتم تهريبه بدلاً من توزيعه محلياً.

ويشير التقرير الأممي إلى أن عمليات التهريب تستفيد منها جماعات مسلحة مرتبطة بالصراع السياسي في ليبيا، إذ يتم استغلال جزء من العائدات لتمويل الفصائل المتنازعة، مما يعزز حالة عدم الاستقرار في البلاد.

أعلن النائب العام الليبي فتح تحقيقات موسعة حول تهريب الوقود، وطالب بإلغاء نظام مقايضة الخام بالوقود، باعتباره يسهل عمليات التهريب، كما دعا إلى اعتماد نظام استيراد أكثر شفافية عبر العقود المعلنة، مما قد يسهم في تقليل الفساد والتهريب.

وفي المقابل، وافق رئيس المؤسسة الوطنية للنفط السابق، فرحات بن قدارة، على إلغاء نظام المبادلة، لكنه ترك منصبه مطلع 2025، وتعهّد خلفه، مسعود سليمان، بتنفيذ القرار بدءاً من الشهر الجاري، رغم تحذيرات من احتمال حدوث أزمة وقود إذا لم يتم توفير بدائل مالية للاستيراد المباشر.

وأصدرت المؤسسة الوطنية للنفط بياناً رسمياً، نفت فيه صحة التقارير التي تتحدث عن تورط شخصيات نافذة في شبكات التهريب، مؤكدة أن التقرير الأممي المتداول لم يصدر عن لجنة العقوبات الدولية التابعة لمجلس الأمن، وأن المعلومات الواردة فيه غير موثقة من أي جهة رسمية.

وأضافت المؤسسة أنها تعمل بالتنسيق مع الجهات المختصة محلياً ودولياً لمكافحة تهريب النفط، لكنها أشارت إلى أن المسؤولية الأمنية تقع على عاتق الجهات المختصة، مؤكدة أن جميع عمليات البيع والتصدير تتم وفق الأطر القانونية المعتمدة وتخضع لرقابة دولية مشددة.

اقرأ المزيد