23 ديسمبر 2025

بوركينا فاسو تواجه تصعيداً أمنياً خطيراً، بعدما وجّه تنظيم القاعدة تهديدات مباشرة إلى رئيسها الانتقالي النقيب إبراهيم تراوري، في تطور يعكس انتقال نشاط التنظيم المتطرف من مالي إلى عمق الدولة المجاورة.

وفي تصعيد نوعي يعيد رسم ملامح المشهد الأمني في منطقة الساحل الإفريقي، استخدم تنظيم القاعدة خطاباً تصعيدياً غير مسبوق استهدف به رأس السلطة في بوركينا فاسو، في مؤشر واضح على اتساع رقعة نفوذ الجماعات المتشددة وسعيها لمواجهة مباشرة مع الأنظمة الحاكمة.

وشنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، التابعة لتنظيم القاعدة، حملة دعائية مكثفة ضد نظام تراوري، عبر بث مقاطع فيديو تضمنت تحدياً صريحاً للمجلس العسكري الحاكم، متهمة إياه بـ”تعريض البلاد للمعاناة والفوضى”، في محاولة لتحريض الرأي العام البوركيني وزعزعة الثقة في السلطة القائمة.

واعتمدت الجماعة في رسائلها الدعائية على العامل العرقي، حيث بثت فيديوهات بلغتي المورية والفولانية، وادعت أنها “لا تميز بين الجماعات العرقية”، وأن خطابها موجه إلى جميع مكونات منطقة الساحل، في مسعى لتوسيع قاعدتها الاجتماعية داخل بوركينا فاسو.

ويُعد الفولاني ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد بعد الموسي، وينتشرون في مناطق متعددة، بما في ذلك مدن تحمل أسماءهم، غير أن هذه الفئة وجدت نفسها عالقة بين المقاتلين المسلحين من جهة، والجيش ووكلائه من جهة أخرى.

ومع استمرار الانتهاكات التي تطالهم، بات همّ كثير من أبناء الفلان يقتصر على البقاء على قيد الحياة في ظروف بالغة الصعوبة، ما جعلهم أكثر عرضة للاستقطاب من قبل الجماعات المسلحة.

وتهدف هذه الاستراتيجية، وفق مراقبين، إلى كسر الصورة النمطية عن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والتغلغل داخل القاعدة الاجتماعية في بوركينا فاسو، في مؤشر على دخول الصراع مرحلة جديدة، تسعى فيها الجماعة إلى تقديم نفسها كـ”بديل عابر للحدود”، وليس مجرد فصيل متمرد، وهو ما يضع نظام تراوري في وضع بالغ الهشاشة.

ويرى متابعون للشأن الأمني في الساحل أن البلاد تشهد واقعاً مقلقاً، في ظل تكثيف الجماعات المتطرفة لجهودها في تجنيد السكان المحليين، مستغلة الثغرات الأمنية وحالة الإحباط الشعبي، مشيرين إلى أن هذه الجماعات لم يسبق لها أن نجحت في استقطاب هذا العدد الكبير من البوركينيين.

ويؤكد ذلك، بحسب المراقبين، أن الدولة لا تخسر نفوذها في ساحة المعركة فقط، بل في عقول مواطنيها أيضاً، مع تراجع قدرتها على فرض حضورها في مناطق واسعة من البلاد.

وتقول أوساط أمنية في دولة مجاورة لبوركينا فاسو إن المتطرفين “لم يعودوا يكتفون بإطلاق التهديدات، بل باتوا يعرضون على السكان المال والدراجات النارية الجديدة، إلى جانب وعود بالحماية، مقابل الولاء الصامت أو الفعّال”.

وأصبحت المجتمعات النائية، التي شهدت أو تعرضت لانتهاكات ارتكبتها القوات المسلحة في بعض الأحيان، أكثر قابلية للانخراط في هذه العروض، في ظل غياب البدائل وضعف الحماية.

وبحسب التقديرات الأمنية، فإن وصول الجماعات المتشددة إلى هذا المستوى من النفوذ والاندماج المجتمعي يعني أنها لا تعتزم مغادرة هذه المناطق، بعدما ترسخت سيطرتها وأصبح من الصعب زعزعتها.

وفي السياق نفسه، تشير تقارير غربية عدة إلى أن مجموعات مسلحة مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش تسيطر على أكثر من 40% من أراضي بوركينا فاسو، في وقت يبذل فيه الجيش جهوداً كبيرة لاستعادة السيطرة على مساحات واسعة من شمال وشرق البلاد.

ويأتي هذا التهديد في وقت تشهد فيه مالي، الجارة لبوركينا فاسو، منذ سبتمبر الماضي موجة جديدة من هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وصلت إلى مشارف العاصمة باماكو.

ودفعت هذه التطورات قائد المجلس العسكري في مالي، العقيد أسيمي غويتا، إلى إطلاق عملية عسكرية واسعة حملت اسم “فوكه كيني”، أي “التطهير” بلغة البامبارا، في محاولة لفك الحصار الذي تفرضه الجماعة على جنوب البلاد، والذي شمل إمدادات الوقود في حصار وُصف بغير المسبوق.

كمين يودي بحياة 23 جندياً في النيجر

اقرأ المزيد