تعيش جمهورية مالي أزمة حادة تهدد استقرار منطقة الساحل، حيث تتصارع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وجبهة تحرير أزواد، وتسيطر جماعة النصرة على مناطق واسعة وتفرض إتاوات، بينما عادت جبهة الأزواد لحمل السلاح بعد انهيار اتفاق الجزائر.
تشهد جمهورية مالي حالياً أخطر مرحلة في تاريخها الحديث، حيث تحولت الأزمات السياسية والأمنية المتعددة إلى حالة انهيار شاملة تهدد بتمدد الفوضى إلى عمق منطقة الساحل الإفريقي.
وفي خضم هذه الأزمة المتعددة الأبعاد، يبرز خصمان رئيسيان للمجلس العسكري الحاكم: جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التي تفرض حصاراً خانقاً على مدن عدة، وجبهة تحرير أزواد التي تخوض مواجهات عسكرية مفتوحة في شمال البلاد.
تشير المعطيات الميدانية إلى أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أصبحت تتحكم فعليًا في شريط جغرافي واسع يمتد من وسط مالي إلى حدود النيجر وبوركينا فاسو.
ورغم صعوبة تقدير المساحة بدقة، يُعتقد أن نفوذها يغطي أكثر من مليون كيلومتر مربع، مما يجعلها القوة غير النظامية الأكبر في الساحل الإفريقي.
وقد استغلت الجماعة ضعف مؤسسات الدولة لبناء إدارة موازية تعتمد على فرض الإتاوات وجباية الضرائب والتحكم في طرق القوافل التجارية، لتصبح ما يشبه “دولة ظل” تُهدد الكيان المالي التقليدي.
بعد تنصل المجلس العسكري في باماكو من اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة، عادت الحركات الأزوادية إلى حمل السلاح، مشكّلة تحالفاً واسعاً تحت مسمى “جبهة تحرير أزواد”.
وتضم هذه الجبهة طيفاً من المكونات العربية والطوارقية التي تطالب بترتيبات سياسية وإدارية تضمن حقوق سكان الشمال.
ومع تفاقم الأزمة، تحولت المواجهات إلى حرب استنزاف مفتوحة بين القوات المالية وحلفائها من الفيلق الإفريقي الروسي من جهة، والتشكيلات الأزوادية من جهة أخرى.
وشهدت مناطق أنوملان وتاجمرت وألكت بولاية كيدال معارك عنيفة، تزامنت مع غارات جوية شنها الجيش الأزوادي على مواقع متعددة.
منذ مطلع سبتمبر 2025، فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حصاراً خانقاً على العاصمة باماكو ومدن كبرى أخرى، مما أدى إلى أزمة إنسانية حادة. وقد ارتفع سعر الوقود في تمبكتو من 1200 إلى أكثر من 3000 فرنك إفريقي، وشُلّت حركة النقل والتجارة وتوقفت الإمدادات الإنسانية بشكل شبه كامل.
بحسب تحليل مؤسسة “تكتل الحصن المتين”، فإن استمرار التدهور الأمني في مالي يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي الجزائري من خلال:
– تزايد احتمالات تسلل الجماعات الإرهابية نحو العمق الجزائري
– انتعاش شبكات التهريب عبر الحدود الجنوبية في ظل غياب الرقابة المالية
– تزايد تدفق اللاجئين نحو الجنوب الجزائري، مما يخلق ضغطًا إنسانيًا وأمنيًا متصاعدًا
وتشدد المؤسسة على أن ما يحدث في الساحل ليس شأناً داخلياً مالياً فحسب، بل قضية أمن إقليمي تتطلب تحركًا إفريقياً متوازناً.
وترى أن الجزائر تبقى حجر الزاوية في استقرار الساحل، بفضل موقعها الجغرافي وثقلها الدبلوماسي، وأن إحياء اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة يبقى الخيار الوحيد القادر على إنهاء النزاع.
تُؤكد التحليلات أن مالي لم تعد على حافة الهاوية فحسب، بل غاصت في فوضى متعددة الأوجه. إن استمرار القتال في مناطق أزواد، وتفكك الدولة، وغياب الحل السياسي، ينذر بتحول الساحل إلى بؤرة انهيار شاملة تهدد شمال إفريقيا برمّتها.
إعادة تشغيل جزئي لمحطة تحلية مياه البحر في الجزائر بعد حريق
