كشفت الشرطة الزراعية في ليبيا عن تشققات وانجرافات أرضية جديدة جنوب شرق طرابلس، مما يمثل تهديداً للأراضي الزراعية والمنازل، وأكدت المعاينات الميدانية وجود تشققات عميقة تصل إلى 10 أمتار، داعية الجهات المختصة للتدخل العاجل.
أعلنت الشرطة الزراعية في ليبيا عن متابعتها لتشققات أرضية وانجرافات وتصدعات متجددة في مناطق جنوب شرق العاصمة طرابلس، مشيرة إلى أنها تشكل تهديداً مباشراً للأراضي الزراعية والمساكن المجاورة.
وفي بيان رسمي صادر عن فرع الشرطة الزراعية في سوق الخميس، أكدت أن المعاينات الميدانية التي أجراها فريقها كشفت عن وجود تشققات عميقة تصل بعضها إلى نحو عشرة أمتار بالقرب من المزارع والمنازل، مما يشكل خطراً مباشراً على سلامة السكان والممتلكات.
وحذر البيان من أن هذه الظاهرة آخذة في الاتساع، مما يستوجب تدخل جميع الجهات المختصة في ليبيا بشكل عاجل، وإجراء دراسة علمية دقيقة لتحديد الأسباب، ووضع خطط عملية لتفادي أي كوارث محتملة مع اقتراب موسم الأمطار.
وترجع بداية اكتشاف هذه التشققات إلى مارس 2023، عندما ظهرت فجوات دائرية في موقعين جنوب غربي طرابلس، أحدهما في منطقة أبو عائشة بالسبيعة على بعد 60 كيلومتراً من العاصمة، والثاني في منطقة قطيس التي تبعد 100 كيلومتر.
وكانت الشقوق في بدايتها محدودة الحجم، إلا أنها اتسعت لاحقاً بسبب الأمطار الغزيرة التي جرفت كميات كبيرة من التربة، ما دفع السلطات المحلية إلى رفع تقارير عاجلة إلى حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها.
ورداً على ذلك، كلفت حكومة الوحدة الوطنية نهاية العام الماضي لجنة مختصة بدراسة الظاهرة.
وأفادت اللجنة لاحقاً بتنفيذها عدة زيارات ميدانية لمتابعة التطورات، مشيرة إلى أن الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال تلك الفترة حركت مياه الأودية مما عظم التشققات، وابتلعت مئات الأمتار المكعبة من التربة وآلاف الأمتار من المياه.
كما كشفت اللجنة أن مؤشرات أولى لهذه التشققات قد رصدت في تسعينيات القرن الماضي، لكنها بقيت طفيفة حتى تفاقمت بشكل مفاجئ خلال العامين الماضيين.
ومع تجدد ظهور الشقوق واتساع رقعتها خلال الأشهر الأخيرة، ازداد قلق سكان مناطق الهيرة والسبيعة جنوب شرقي طرابلس. ويقول محمد الحراري، أحد سكان منطقة بئر غنم القريبة من الهيرة، إن أهل المنطقة “يعيشون بين الخوف والترقب” مع اقتراب فصل الشتاء وما يحمله من أمطار غزيرة قد تزيد الانجرافات.
ويشير إلى أن الشقوق تغيرت في الطول والعمق منذ ظهورها أول مرة عام 2023، ووصل عمق بعضها إلى 30 متراً، ما اضطر السكان إلى نقل أسرهم من مزارع يملكونها منذ فترات طويلة.
من جهته، يؤكد عبد الحميد بوصبيع من منطقة السبيعة أن الحكومة زادت عدد فرق المعاينة الميدانية المرافقة لباحثين أجانب، لكنه يتساءل عن نتائج تلك الزيارات والحلول المقترحة غير الواضحة حتى الآن.
ويطالب السكان السلطات بتسريع العمل لوضع خطط واضحة لتوفير حماية عاجلة، معربين عن قلقهم من تأخر أي معالجة ومن التعامل مع الأزمة على أنها مجرد رد فعل على احتجاجاتهم.
من الناحية العلمية، يرى أستاذ علوم الجيولوجيا البيئية الصدّيق الشهوبي أن ما يحدث في السبيعة والهيرة هو “نموذج كلاسيكي لظاهرة الانخساف الكارستي” الناتج عن تفتت الصخور الجبسية في الطبقات الجوفية العليا بفعل تسرب مياه الأمطار والمياه الجوفية المشبعة بثاني أكسيد الكربون.
ويوضح الشهوبي أن المنطقة تقع على حوض جيولوجي جبسي يمتد على طول وادي الهيرة، ما يجعلها بيئة هشة قابلة لتكون الكهوف والانهيارات.
كما يشير إلى أن اتجاه التشققات من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي يتطابق مع اتجاه انحدار تصريف المياه السطحية، ما يؤكد الدور الأساسي للمياه في تفتيت الصخور وتشكيل الفجوات.
ويستبعد الخبير فرضية أن تكون الزلازل هي سبب هذه التشققات، مستنداً إلى بيانات شبكة الرصد الزلزالي التي لم تُظهر مؤشرات لحركات نشطة مرتبطة بالظاهرة.
لكنه يحذر من أن استمرار ذوبان الطبقات الجبسية وتغلغل المياه قد يؤدي إلى انهيارات متتابعة خلال السنوات المقبلة، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى غطاء نباتي كثيف.
ويدعو الشهوبي إلى تنفيذ مسح جيوفيزيائي شامل باستخدام تقنيات مثل الرادار الأرضي المخترق لرسم خريطة دقيقة للتجاويف الباطنية، وإصدار قرار عاجل بوقف الحفر العشوائي للآبار واستنزاف المياه الجوفية.
ويؤكد أن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة تستدعي تحركاً حكومياً فاعلاً يتجاوز “الصمت والتجاوب البطيء” حيال هذه الأزمة البيئية المتفاقمة.
ليبيا.. انفجار لغم خلال فعاليات رالي “تي تي” يسفر عن وفاة شخص
