بين وقت وآخر تطل قضية نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، هانيبال، الموقوف في لبنان منذ تسعة أعوام، برأسها، من دون أن تتخذ الأطراف المعنية أية إجراءات حقيقية لإنهاء هذه القضية، سواء عبر الوصول إلى إدانة واضحة، أو اللإفراج عنه، فمن المسؤول عن هذا الوضع؟
جذور القضية
تعود قضية هانيبال، الابن الرابع للقذافي، إلى العام 2015، عندما قامت السلطات اللبنانية بتوقيفه احتياطياً للتحقيق في ظروف اختفاء الزعيم الديني موسى الصدر، رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، الذي احتفى خلال زيارة إلى ليبيا العام 1978، وأنكرت السلطات الليبية حينها (نظام معمر القذّافي) تورطها في قضية اختفائه، وسط شكوك متواصلة من قبل الأطراف اللبنانية بتورط القذّافي.
لم تكن الظروف الدولية والسياسية تسمح للبنان باعتقال شخصيات ذات وزن سياسي كبير، مثل هانيبال، قبل سقوط نظام القذافي، الذي أطاح به هجوم كاسح شنته قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شهر مارس من العام 2011، لينتهي المطاف بالعقيد الليبي مقتولاً على يد جماعة مسلحة قامت بتصوير عملية اغتياله وإرسالها إلى البيت الأبيض، لتدخل بعدها ليبيا نفقاً مظلماً من الفوضى.
في شهر ديسمبر من العام 2015، قامت السلطات اللبنانية بتوقيف هانيبال بعد إصدار مذكرة توقيف بحقه بتهمة “كتم معلومات” حول اختفاء الصدر، ليتم إيداع هانيبال في السجن منذ ذلك الحين، بانتظار الحصول على معلومات كافية، في وقت ينكر فيه هانيبال باستمرار علاقته بالقضية التي جرت أحداثها عندما كان يبلغ من العمر ثلاثة أعوام فقط، رغم ذلك تصر السلطات القضائية اللبنانية على امتلاك هانيبال، نظراً لمركزه في النظام الليبي السابق، معلومات حول هذه القضية، وتنتظر أن يدلي بها.
سنوات النسيان
منذ توقيفه، لم تقم السلطات الليبية اللاحقة بأية إجراءات حقيقة للنظر في قضيته، حيث دخل طي النسيان في ظل الصراع السياسي الدائر في طرابلس، التي حاولت واشنطن وحلفاؤها فرض سلطات متلاحقة عليها، أدخلت البلاد في دوامة من الفوضى مازالت مستمرة، خصوصاً أن السلطات المتلاحقة كانت تنظر إلى نجل القذافي على أنه جزء من منظومة والده، وبالتالي تتجاهل التعامل معه، بالرغم من الطلبات المتلاحقة من السلطات القضائية اللبنانية من نظيرتها الليبية التعاون وتوسيع التحقيقات وتوقيف بعض الأشخاص المطلوبين لإنهاء القضية، غير أن الأخيرة تجاهلت هذه الطلبات، لتبقى القضية معلقة.
في العام الماضي، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بياناً طالبت من خلاله السلطات اللبنانية بإطلاق سراحه، معتبرة أن التهم الموجهة إليه “ملفقة”، الأمر الذي تلقفته السلطات الليبية في طرابلس لتطالب بدورها بإطلاق سراحه أيضاً، قبل أن تعيد السلطات اللبنانية تأكيدها طلب المساعدة وتوقيف أشخاص آخرين في ليبيا وتوسيع التحقيق لإنهاء القضية، ليتم أيضاً تجاهل هذا الطلب، وتظل القضية في سياق التصريحات الإعلامية فقط.
جدل مستمر
العام الماضي، تداولت وسائل إعلام شائعات حول قيام رئيس “حكومة الوحدة الوطنية” الليبية المنتهية ولايته، عبد الحميد الدبيبة، بالتواصل مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي لمناقشة قضية هانيبال، الأمر الذي أصدر على إثره ميقاتي بياناً نفى من خلاله وجود أي تواصل مع جهات ليبية رسمية حول الموضوع، والذي أكد أن ملفه في يد القضاء المختص، وأي متابعة لهذا الملف تتم بالطرق القضائية المختصة.
وفي يناير الماضي، زار وفد ليبي يضم وكيل وزارة العدل الليبية لشؤون الشرطة القضائية علي اشتوي، وقضاة وضباط أمنيين لبنان، وقاموا بإجراء لقاء مع وزير العدل اللبناني هنري الخوري، ورئيس لجنة متابعة ملف الصدر القاضي حسن الشامي، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين ذوي صلة بالقضية، غير أن هذه الزيارة لم تثمر أية نتائج، في ظل إصرار الطرف اللبناني على توسيع تحقيقاته وسماع إفادات أشخاص آخرين، وهو ما لم يحدث.
وفي شهر أبريل الماضي، عادت القضية إلى الأضواء مرة أخرى، بعد نشر قناة “الجديد” اللبنانية صوراً لهانيبال القذافي إثر انتشار شائعات حول وفاته في مقر احتجازه. وأظهرت الصور التي بثتها القناة اللبنانية مكان احتجازه الذي ذكرت أنه تحت الأرض في بيروت، حيث يقيم في غرفة صغيرة تحتوي على حمام صغير وسرير، ونشرت رسالة قال فيها “أعيش بهدلة، وأتحداكم أن تشرحوا لي أين المعاملة الخاصة، وما هو مفهومكم عن الـVIP؟!”، متابعاً: “وضعي غير جيّد تحت الأرض، وأريد أكسجين”.
وعلى إثر نشر هذه الصور، ظهرت مرة أخرى أصوات تطالب بحلحلة مشكلته وإطلاق سراحه، من بينها وزارة العدل في “حكومة الوحدة الوطنية” المنتهية ولايتها، التي أصدرت بياناً طالبت من خلاله السلطات اللبنانية بتوفير الضمانات والحقوق المرعية والرعاية الصحية والزيارات والتراسل مع التأكيد على حقه في الإفراج عنه دون قيد أو شرط، لعدم ثبوت التهمة الموجهة إليه أو وجود أدنى أدلة تربطه بالقضية المعتقل بسببها.
وجاء في البيان أن الوزارة أطلعت على ما تناقلته وسائل الإعلام حول الظروف التي يمر بها المواطن الليبي هانيبال القذافي بدولة لبنان من حيث مكان احتجازه وحرمانه من الحقوق التي تكفلها المواثيق والمعاهدات الدولية، وقالت “تأمل وزارة العدل أن تحظى بردود رسمية من الجهات المعنية بالجمهورية اللبنانية تفيد بتحسين ظروف اعتقاله، خلاف لما عليه الوضع الراهن”، مشيرة إلى أنها ستتابع مستجدات الموضوع، وستكون على تواصل مع الجهات السياسية والمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية، “لضمان قيام السلطات اللبنانية المعنية بمسؤولياتها حيال المعتقل الليبي ونيله لحقوقه وحريته”، وفق البيان.
من المسؤول؟
بينما يتابع القذافي سجنه في بيروت، تثار أسئلة عديدة حول الجهات المسؤولة عن وضعه الحالي، وسط تبادل للاتهام بين السلطات اللبنانية التي تصر على أنه موقوف وفق القانون، وأن بيروت تنتظر تعاوناً من طرابلس لإنهاء هذا الملف، والسلطات في العاصمة الليبية التي تخرج بين وقت وآخر بتصريحات إعلامية من دون اتخاذ أية إجراءات حقيقية على الأرض، سواء تسليم المطلوبين وفق الأطر القانونية، أو المساعدة في استكمال التحقيقات.
ويعكس وضع القذافي الحالي الأزمة التي تعيشها طرابلس، المشتتة بين قوى عديدة تتنافس على الحكم، وسط محاولات مستمرة من الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة التمدد ودعم أطراف معينة لتنفيذ مصالحها، الأمر الذي أدى بمجمله إلى ترهل السلطات، وشتاتها، وانشغالها بقضايا عديدة بعيدة عن مسؤولياتها الحقيقية في متابعة مصالح مواطنيها، ما يعني أن أزمة القذافي الابن، والتي تصر بيروت على معالجتها وفق الأطر القانونية وليست السياسية، ستبقى رهينة قدرة السلطات الليبية على بذل الجهود الحقيقية لمساعدة أحد المواطنين الليبييين، والذي كان حتى العام 2011، أحد أبرز وجه هذا البلد الإفريقي الغني بالنفط.
بقلم علاء حلبي
ليبيا.. تدرس ملف الديون الخارجية وآليات تحصيلها