18 ديسمبر 2024

برزت فكرة تشكيل حكومة ليبية مصغرة لتثير أسئلة عن الظهور المفاجئ لقائمة من المرشحين لقيادة هذه الحكومة بعد اجتماع بين عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وستيفاني ويليامز، القائمة بأعمال رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.

ظهور قائمة مرشحين للحكومة قبل اجتماع لندن الحاسم ليلقي الضوء على المشهد السياسي المعقد والهش في ليبيا.

ومنذ سقوط معمر القذافي في عام 2011، ظلت ليبيا محاصرة في صراع على السلطة وتنافس سياسي جعل من ظهور حكومة موحدة لتنظيم الانتخابات أمراً حاسما للخروج من الأزمة المستمرة لأكثر من عقد، وعلى هذه الخلفية فإن الحلول التي يتم اقتراحها بشأن حكومة مصغرة جزءاً من إعادة البحث عن مسار لا يبدو مختلفاً؛ فهو يخلق أيضاً مساحة تنافس سياسي جديدة.

واكتسب اقتراح الحكومة المصغرة زخماً بعد اجتماع عقيلة صالح مع ستيفاني خوري في 2 ديسمبر 2024، حيث أكد الاجتماع على ضرورة توحيد السلطة التنفيذية لتسهيل الانتخابات الحرة والشفافة، وبعد ساعات فقط من الاجتماعظهرت قائمة من سبعة مرشحين كلهممستعدون لقيادة هذا الجسم الانتقالي، ويبقى السؤال: هل كانت هذه القائمة نتاجاً لحوار واحد أم جزءاً من خطة أوسع نطاقاً ومدروسة مسبقاً؟

المرشحون وفق المشهد السياسي

من وردت أسماؤهم هم مزيج من السياسيين والتكنوقراط والمسؤولين الحكوميين السابقين، ما يعكس مجموعة متنوعة من خيارات القيادة، فهناك وزيرين من الحكومة المكلفة من مجلس النواب وهما عصام بوزريبة الذي يشغل وزير الداخلية في الحكومة الشرقية، وعثمان عبد الجليل وزير الصحة والمتحدث باسم الحكومة، إضافة لذلك هناك مرشحي رئاسة سابقينهما محمد المنتصر وفضيل الأمين، إضافة لسياسي ومرشح برلماني سابق هو ناصر فايس، كما ضمت القائمة محمد المزوغي الذي يؤيده المجلس الأعلى للدولة، وسلامة الغويل الذي كان وزير الشؤون الاقتصادية السابق.

ومع الإعلان عن هذه القائمة ظهر تفاؤل حذر وتساؤلات حول شرعيتها وطبيعة الدعم الدولي لها، فبعض المرشحين سيجدون صعوبة في اكتساب دعم واسع النطاق، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وعلى الأخص أنه يجري في توقيت استراتيجي قبيل اجتماع لندن بشأن ليبيا، حيث كان يُنظَر إليه باعتباره منتدى لتأمين الإجماع الدولي بشأن المستقبل السياسي للبلاد.

وظهرت القائمة كخطوة استباقية من مجلس النواب للتأثير على هذه المناقشات، وذلك بهدف ضمان احتفاظ الكتلة المدعومة من مجلس النواب بسيطرة كبيرة على العملية الانتقالية.

ولكن التكهنات بهذا الموضوع بدأت تتطور وتجاوزت حتى إطار الاجتماع الذي أدى لظهور القائمة في ظل توقيت القائمة استراتيجياً لتتماشى مع المفاوضات الدبلوماسية في لندن، فإنشائها سبق هذه الأحداث ويمثل جهداً أوسع لتهميش المنافسين في الغرب، وخاصة حكومة عبد الحميد دبيبة النتهية الولاية.

التحديات التي تواجه اقتراح الحكومة المصغرة

تواجه الحكومة المصغرة العديد من العقبات، فليبيا ستبقى في ظلها مقسمة بين إدارتين، كل منهما تدعي اكتساب الشرعية، ومن غير المرجح أن يتنازل الغرب، تحت قيادة الدبيبة، والشرق، تحت قيادة حماد، عن السلطة دون ضمانات بالشمول أو النفوذ، كما الانقسامات الدولية ستبقى بشأن مستقبل ليبيا، في حين تدعو الأمم المتحدة إلى التوافق، فإن البلدان ذات المصالح الخاصة في موارد ليبيا والجغرافيا السياسية تدعم غالباً الفصائل المتنافسة.

العامل الآخر هو نظرة العديد من الليبيين إلى المناورات السياسية التي تشكك بأي شكل من الإجراءات الجديدة، حيث تم انتهاك وعود الانتخابات والوحدة مراراً وتكراراً، ما أدى إلى تأجيج خيبة الأمل والغضب بين عامة الناس، وهذه المخاوف تتزامن مع مواصلة الجماعات المسلحة والمرتزقة الأجانب العمل بإفلات من العقاب، ما يقوض استقرار البلاد.

ورغم أن ستيفاني خوري كشخصية محورية في الحوار السياسي الليبي أكدت بعد اجتماعها مع صالح على أهمية الشمولية وبناء الثقة، حيث تؤشر تصريحاتها على بقاء الأمم المتحدة ملتزمة بتسهيل عملية انتخابية شفافة وتعزيز الوحدة، وفي نفس الوقت حذرت خوري أيضاً من الإجراءات الأحادية الجانب التي تعمق الانقسامات، وبينت أن مباحثاتها هي “لخلق بيئة مواتية للانتخابات” وأن نجاح مهتمها يتوقف على تعاون اللاعبين الرئيسيين في ليبيا.

تباين آراء الليبيين

أثار إعلان قائمة المرشحين ردود أفعال متباينة، حيث يرى بعض الساسة الليبيين أنها خطوة ضرورية نحو كسر الجمود السياسي الحالي، بينما يرى آخرون أنها استيلاء انتهازي على السلطة من قبل الحومة المكلفة من قبل مجلس النواب.

وأعرب أحد المرشحين، محمد المنتصر، عن تفاؤل حذر، مشيراً إلى “الدعم الشعبي” الذي يحظى به كقوة، وأقر فينفس الوقت بأن تحقيق الإجماع الدولي والمحلي لا يزال يشكل تحدياً كبيراً، وفي المقابل رفضت حكومة الدبيبة المبادرة باعتبارها تشتيتاً، وفي بيان متلفز، كرر الدبيبة تركيز إدارته على إجراء الانتخابات في إطار العمل الذي تم إنشاؤه في جنيف عام 2021.

وإن فكرة الحكومة المصغرة، على الرغم من كونها واعدة من الناحية النظرية، يجب أن تتغلب على التحديات العميقة، ولكي تنجح تحتاج لاكتساب الشرعية الدولية والدعم من القوى الكبرى والأمم المتحدة وهو أمر بالغ الأهمية لضمان سلطة الحكومة ومنع المزيد من التشرذم.

وكما أن النخب السياسية ترى ضرورة إشراك جميع الأطراف الذي يعتبر أمراً جوهرياً لتحقيق نتائج ملموسة، فأي هيئة انتقالية تحتاج للتركز على خلق بيئة آمنة للانتخابات، بما في ذلك نزع سلاح الميليشيات وضمان نزاهة اللجان الانتخابية، فدون هذه البيئة سيكون من الصعب كسب ثقة الجمهور، فالشفافية والمساءلة ضروريتين لإقناع الليبيين بأن هذه المبادرة تمثل جهداًحقيقياً لتوحيد البلاد.

ويشكل تشكيل حكومة مصغرة مكلفة بتنظيم الانتخابات العامة نقطة تحول في رحلة ليبيا المضطربة نحو الاستقرار، ونجاحها سوف يعتمد على شفافية إنشائها، وشمولية عملية إنشائها، وما هو واضح أن ليبيا تقف عند مفترق طرق، والقرارات التي ستتخذ في الأشهر المقبلة سوف تشكل مستقبل الأمة، وتحدد ما إذا كانت ستقترب من الوحدة أم ستنحدر إلى مزيد من الانقسام.

بقلم نضال الخضري

 

ليبيا.. تساؤلات حول عدم تعيين مبعوث أممي جديد للبلاد

اقرأ المزيد