05 ديسمبر 2025

أشعلت تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، موجة واسعة من الانتقادات بعد إعلانه استعداده لتنفيذ انقلاب عسكري ضد أي حكومة مدنية تصل إلى السلطة عبر الانتخابات في حال إحالته إلى المعاش.

وصدرت هذه التصريحات، يوم الجمعة الماضية، اعتبرها مراقبون خرقا خطيرا للقانون وتهديدا مباشرا لمسار التحول المدني الذي يطالب به الشارع السوداني منذ سنوات.

ويرى خبراء قانونيون وسياسيون أن حديث العطا يرقى إلى مستوى “الجريمة الكبرى”، استنادا إلى ما ينص عليه القانون الجنائي السوداني وقانون القوات المسلحة، إضافة إلى بنود في القانون الدولي التي تجرم التحريض على الانقلابات.

ويشير هؤلاء إلى أن خطورة التصريح لا تكمن في مضمونه فقط، بل في صدوره من شخصية عسكرية رفيعة ما يزال ينتمي إلى مؤسسة يفترض أن تكون حامية للدستور لا طرفاً فيه.

ويؤكد مختصون أن تهديد العطا بإطاحة سلطة مدنية منتخبة يعكس استمرار العقلية الانقلابية داخل الجيش، خصوصا بعد الإطاحة بنظام الإخوان عام 2019 وما تلاها من ارتباكات سياسية، كان أبرزها انقلاب البرهان في أكتوبر 2021.

ويذهب مراقبون إلى أن دخول قادة الجيش في سجالات سياسية علنية يشكل خرقا واضحا للتقاليد العسكرية السودانية، التي تنص على عدم انخراط الضباط في العمل السياسي أو التحريض عليه.

وفي السياق ذاته، قال المحامي حضرة، عضو هيئة الاتهام في قضية انقلاب 1989، إن تصريحات العطا تتضمن تهديدا مباشرا بتقويض أي نظام دستوري مقبل، معتبرا أنها كفيلة بإحالته إلى التحقيق والمحاكمة.

وأضاف أن القانون السوداني يعاقب بصرامة على التحريض أو المشاركة في مؤامرة تهدف إلى تغيير نظام الحكم بالقوة في حال عدم تنفيذ الانقلاب فعليا.

ويؤكد الخبير في القانون الدولي إسماعيل علي أن المواد 21 و25 و26 و50 و65 من القانون الجنائي السوداني تجرّم أي محاولة انقلاب أو التحريض عليها، وتصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد.

كما ينص قانون القوات المسلحة على منع الضباط من الانخراط في العمل السياسي أو إصدار تهديدات تمس شرعية الحكم المدني، مؤكدا أن ما قاله العطا يشكل “سبباً كافياً لفتح تحقيق جنائي عاجل”.

يرى قادة في القوى المدنية أن تهديد العطا يعكس موقفاً صارماً داخل المؤسسة العسكرية تجاه أي تحول ديمقراطي.

ويشير القيادي في تحالف “صمود” بابكر فيصل إلى أن تصريحات العطا “تكشف بوضوح أن المعركة الحالية ليست فقط عسكرية، بل سياسية ضد الثورة ومسارها المدني”.

ومن جهتها، ترى الكاتبة رشا عوض أن تصريحات العطا تزيد من القناعة بأن الجيش ابتعد عن دوره القومي وتحول إلى طرف سياسي يستخدم موارد الدولة في صراعات داخلية.

وتشدد على أن الجيش الذي يصنف جزءاً من مواطنيه كخصوم سياسيين “لا يمكن أن يكون جيشاً قومياً أو مهنيا”.

وتحذر عوض من أن استمرار هذا النهج قد يقود السودان إلى مزيد من الانقسامات والفوضى، خصوصاً إذا استخدمت القوة العسكرية لقمع خيارات الشعب وحرياته السياسية.

وشهد السودان منذ استقلاله سلسلة من الانقلابات التي شكلت مسار الدولة الحديثة، بدءا بانقلاب الفريق إبراهيم عبود عام 1958، ثم انقلاب جعفر نميري في 1969، وانقلاب عمر البشير في 1989 الذي رسخ ثلاثة عقود من الحكم العسكري، وصولا إلى انقلاب عبد الفتاح البرهان في 2021 الذي أطاح بالشراكة المدنية الانتقالية.

وخلال هذه العقود توالت المحاولات الفاشلة، أبرزها انقلاب الشيوعيين عام 1971، وأحداث “المرتزقة” عام 1976، ومحاولات متكررة ضد نظام البشير بين 1990 و2012، إضافة إلى محاولتي سبتمبر ومارس 2022 بعد انقلاب البرهان.

الجيش السوداني يستعيد مناطق استراتيجية في النيل الأزرق

اقرأ المزيد