في واحدة من أغرب العادات الاجتماعية وأكثرها جذبا للاهتمام في تشاد، تحتشد قبائل مبورورو مع نهاية موسم الأمطار لإحياء مهرجان “غيريول” السنوي، وهو احتفال شعبي يتحوّل فيه الرجال إلى عارضي جمال ورقص، بينما تتولى النساء وحدهن مهمة اختيار الشريك المناسب للزواج.
وعلى مدى ساعات طويلة، يؤدي الشباب سلسلة من الرقصات الجماعية التقليدية، أبرزها رقصة “غيروول”، التي تشتهر بإيقاعها السريع وحركاتها المتناسقة.
ويرتدي المتنافسون ملابس مزركشة، ويتزينون بحلي لافتة، ويرسمون على وجوههم أنماطا فنية بألوان زاهية، في محاولة لإبراز لياقتهم الجسدية وجاذبيتهم.
ورغم أن المهرجان يبدو في ظاهره عرضا فنيا، إلا أنه يستند إلى تقليد ضارب في عمق المجتمعات الرعوية الواقعة على أطراف الصحراء الكبرى، فقبل عقود، كان الشباب يتجمعون مع نهاية موسم الأمطار قبل شروعهم في الترحال جنوبا بحثا عن المراعي، ويقدمون رقصات وطقوس “تودد” تهدف إلى إثبات القدرة على تحمّل مشقات الحياة.
ومع مرور الزمن، تطوّر هذا التجمع إلى مهرجان اجتماعي واسع يشارك فيه شباب من مختلف القرى والمزارع.
أما العنصر الأكثر لفتا للأنظار فهو قلب الأدوار الاجتماعية المعتادة: فالنساء هن من يجلسن في صفوف المشاهدين، يراقبن بعناية كل حركة وإيماءة، ويقررن بحرية كاملة من سيكنّ شريك حياتهن المقبل.
وتمنح هذه القاعدة غير المألوفة للنساء سلطة استثنائية في مجتمع تقليدي، حيث يصبح الاختيار النهائي لهن دون ضغط أو تدخل.
ويعي الرجال المشاركون أن فرصة الحديث مع الفتيات في الظروف العادية شبه معدومة، لذلك يتحول المهرجان إلى منصة مفتوحة للتعبير عن الذات.
ويستخدم الشباب مستحضرات تقليدية لإبراز ملامحهم، خاصة الأصباغ التي تجعل الأسنان والعيون أكثر بروزا، باعتبارها رمزا للصحة والقوة في الثقافة المحلية.
وبمجرد انتهاء العروض، تتوجه الفتاة التي وجدت في أحد الراقصين صفات مناسبة نحو اختياره، وإذا وافق هو أيضا، يتقدم بتقديم هدية رمزية لأهلها غالبا ثوبا وبعض المال إيذانا ببدء الخطوات الرسمية للزواج، أما اللواتي لم يجدن من يناسبهن، فيبقين في انتظار الدورة التالية من المهرجان.
انحسار النفوذ الفرنسي في تشاد: عصر جديد من الاستقلال وسط التوترات الإقليمية
