22 ديسمبر 2025

كشفت التحقيقات المتلاحقة التي أعلنها مكتب النائب العام في ليبيا، وبلغت ذروتها خلال عام 2025، عن اتساع غير مسبوق في ملف تزوير بيانات الأحوال المدنية والأرقام الوطنية، في واحدة من أخطر القضايا التي واجهت مؤسسات الدولة منذ عام 2011.

وبحسب معطيات النيابة العامة، لم تعد وقائع التزوير حوادث معزولة، بل تحولت إلى نمط متكرر طال عددا كبيراً من مكاتب السجل المدني في الشرق والغرب والجنوب، شمل مدنا من بينها طرابلس ومصراتة وبنغازي وسرت وسبها والمرج وطبرق وتاجوراء وصرمان والجفارة.

واعتمدت هذه الممارسات على تحريف القيود العائلية، واستغلال بيانات متوفين أو منقطعي الأخبار، لإدراج أجانب ضمن أسر ليبية ومنحهم أرقاما وطنية كاملة، استخدمت لاحقا في الحصول على مرتبات وجوازات سفر ومنح اجتماعية وحقوق مواطنة.

وفي مصراتة، توصلت لجان التحقيق إلى كشف تزوير قيودات عائلية مكنت 326 شخصا من الحصول على أرقام وطنية غير مشروعة، ما دفع سلطات التحقيق إلى إيقاف هذه الأرقام واتخاذ إجراءات بحق مسؤولين في السجل المدني.

وفي سبها، أثبتت التحقيقات تورط موظفين في تزوير مئات الوثائق الرسمية، شملت شهادات ميلاد وإقامة ووضع عائلي، مقابل مبالغ مالية، مع ضبط وسجن متورطين.

أما في سرت، أسفرت التحقيقات عن استخراج ما يقارب 600 رقم وطني لأشخاص أجانب عبر تزوير القيود العائلية، إلى جانب وقائع أخرى مكنت أكثر من 130 أجنبيا من التمتع الكامل بحقوق المواطنة.

وفي المرج والأصابعة وتاجوراء وصرمان، توالت القضايا التي كشفت تورط موظفين عموميين في إدراج أجانب ضمن السجلات الرسمية مقابل منافع مالية.

وفي بنغازي وطبرق، بلغت الوقائع مستويات أكثر تعقيدا، حيث جرى إنشاء “أسر كاملة” على الورق لأشخاص أجانب، استعملت بياناتهم لاحقا في التوظيف وصرف المرتبات واستخراج جوازات السفر، ما شكّل استنزافا واسعا للمال العام.

ووفق البيانات الرسمية، شملت التحقيقات فحص أكثر من 10 آلاف أسرة، وتدقيق ما يقارب 7 آلاف حالة انتماء للأصل الليبي، مع شطب مئات الأرقام الوطنية في مرحلة أولى.

كما جرى تحريك آلاف الدعاوى الجنائية، وحبس عشرات المتهمين، وسط تقديرات سابقة تشير إلى وجود عشرات الآلاف من الأرقام الوطنية غير الصحيحة، استُخدمت لصرف مئات الملايين من الدنانير دون وجه حق.

واعتبرت جهات تشريعية وأمنية أن هذه الوقائع تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي والهوية الليبية، مطالبة بتشديد العقوبات.

وفي المقابل، أعلنت السلطات عن حزمة إصلاحات تشمل مطابقة السجلات الورقية بالمنظومات الرقمية، وإطلاق مشاريع الهوية والجواز الإلكترونيين، وإنشاء أنظمة أكثر صرامة لحماية البيانات، تحت إشراف قضائي مباشر.

كما شكلت لجان موسعة من أعضاء النيابة وضباط مختصين لمراجعة منظومة السجل المدني على مستوى البلاد، بالتوازي مع مشروع وطني للتحول الرقمي وأرشفة الوثائق الرسمية، بهدف سد الثغرات التي سمحت بتفشي التزوير.

وتشير الوقائع التي كشفتها النيابة العامة إلى أن معالجة هذا الملف لا تزال في بدايتها، وأن نجاحها مرهون باستمرار التدقيق والملاحقة القضائية دون استثناء، وتعزيز الرقابة المؤسسية، وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات، بما يحفظ سلامة السجل المدني ويحمي حقوق المواطنة ويصون أسس الدولة الليبية.

إيطاليا تدعو النائب العام الليبي لزيارة روما لمناقشة قضية السجناء الليبيين

اقرأ المزيد