حذر البنك الدولي من تدهور الوضع المالي الخارجي للجزائر نتيجة التراجع المستمر في احتياطيات النقد الأجنبي، معتبرا أن تقلص هذه الاحتياطات يعكس هشاشة القدرة التمويلية في ظل اعتماد الاقتصاد الجزائري بشكل واسع على إيرادات النفط والغاز.
ويؤكد التقرير الأخير الصادر ضمن مشاورات الخريف أن هوامش الأمان المالي بدأت تتقلص بصورة ملموسة، في الوقت الذي تتراجع فيه أسعار الطاقة وتتسع فجوة الحساب الجاري.
ووفق البيانات التي تضمنها التقرير، قدرت الاحتياطيات الجزائرية بنحو 69 مليار دولار دون احتساب احتياطي الذهب، وهو مستوى أدنى بكثير من الذروة التي بلغت عام 2014 عندما وصلت الاحتياطيات إلى نحو 194 مليار دولار.
ويبدو أن التعافي المؤقت لهذه الاحتياطيات في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية لم يكن مستداما، إذ عاودت التراجع نتيجة انخفاض عائدات الطاقة وارتفاع الواردات المرتبطة بالمشاريع الاستثمارية.
وأظهرت مؤشرات نهاية عام 2024 أن مستوى الاحتياطات يعادل 15 شهراً من الواردات، مقارنة بـ 16.4 شهراً في الفترة نفسها من العام الذي سبقه، ما يشير إلى تقلص القدرة على امتصاص الصدمات الخارجية.
ويتوقع البنك الدولي مزيدا من الانكماش خلال الأشهر الأولى من عام 2025، مدفوعا باتساع عجز الحساب الجاري وتزايد الالتزامات المالية.
ويرى التقرير أن استمرار هذه الاختلالات يضع الاقتصاد الجزائري أمام مخاطر متنامية تتمثل في ارتفاع الدين العام وتراجع مستويات الأمان النقدي، خاصة مع التذبذبات المتوقعة في أسعار النفط والغاز.
ويشير التقرير إلى أن الحفاظ على مستوى مطمئن من الاحتياطيات يتطلب توجهاً أكثر صرامة في إدارة النفقات وتحسين مردودية القطاعات غير النفطية التي تشهد نمواً ملحوظاً، لكنها لا تزال عاجزة عن تعويض اعتماد البلاد على المحروقات.
ورغم هذا السياق الصعب، تظهر أرقام النصف الأول من 2025 تحسنا نسبيا في القطاعات غير النفطية، بفضل توسع الاستثمارات المحلية وزيادة الاستهلاك، إلى جانب انتعاش في القطاع الزراعي الذي سجل نموا بنسبة 6.1% مقارنة بـ 5.3% في العام السابق.
كما ساهم نشاط الخدمات والفنادق وتجارة التجزئة في دعم الناتج المحلي الإجمالي خارج قطاع الطاقة، في ظل تباطؤ واضح في معدل التضخم.
وفي المقابل، سجلت صناعة النفط نموا طفيفا بعد انكماش ملحوظ في 2024، إذ ارتفع الإنتاج بموجب حصص منظمة أوبك إلى نحو 963 ألف برميل يوميا في أكتوبر، لكنه ظل محدود التأثير في ظل انخفاض أسعار الخام إلى نحو 68.1 دولار للبرميل خلال الأشهر التسعة الأولى من العام.
أما قطاع الغاز شهد تذبذبا واضحا، إذ ارتفع الإنتاج خلال بعض أشهر 2025، لكنه واجه تراجعا كبيرا في الصادرات، خصوصا في مجال الغاز الطبيعي المسال الذي سجل انخفاضا بنسبة تقارب 24%، إضافة إلى تقلص الإمدادات عبر الأنابيب نحو إيطاليا وإسبانيا.
ويعزو البنك الدولي هذا التراجع إلى ارتفاع الاستهلاك المحلي، وتراجع الطلب الأوروبي على الغاز نتيجة اعتدال الشتاء وتوسع الاعتماد على الطاقات المتجددة، فضلاً عن مستويات التخزين القياسية في أوروبا بعد انتهاء موسم التدفئة.
وفي تعليق حول هذه التطورات، يرى الخبير الاقتصادي الجزائري جلول سلامة أن التحذيرات كانت متوقعة منذ سنوات، بالنظر إلى استمرار اعتماد الاقتصاد الوطني بنسبة تصل إلى 90% على عائدات المحروقات.
ويعتقد سلامة أن الضغوط قد تتفاقم بعد عام 2026 مع عودة روسيا بكامل طاقتها التصديرية، ما قد يؤدي إلى وفرة في المعروض العالمي من الطاقة وبالتالي تراجع الأسعار.
ويشير سلامة إلى أن التعامل مع الوضع يتطلب إجراءات تقشفية وإعادة هيكلة للنفقات الحكومية مع إعطاء الأولوية للاستثمارات الإنتاجية.
ويرى أن الحل يقوم على ثلاث ركائز أساسية: توسيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتخفيف العبء الاستثماري عن الدولة، خفض النفقات التشغيلية غير الضرورية، وتعزيز الإنفاق على المشاريع التنموية القادرة على خلق قيمة مضافة واستيعاب الصدمات.
ويخلص الخبير إلى أن هذه السياسات، رغم صعوبتها، تمنح الجزائر هامشا زمنيا حتى نهاية 2026 لتفادي أزمات مالية حادة كانت مؤجلة ولم تُعالج بشكل جذري في السنوات الماضية.
اتفاق ليبي- تونسي – جزائري لتعزيز التكامل الاقتصادي
