21 نوفمبر 2024

شكلت اتهامات النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي طاهر رحومة النويري، بشأن تدخل الولايات المتحدة في عمل البنك المركزي الليبي تحذيرا من تعامل واشنطن الخطر مع الأزمة الليبية.

النويري كان يحذر في بيانه من تدخلات السفارة الأمريكية في الشؤون الاقتصادية الليبية، خاصة بعد توحيد مصرف ليبيا المركزي وتشكيل مجلس إدارته الجديد، حيث أشار إلى أن السفارة الأمريكية قامت بعقد لقاءات وطرح آراء تتعارض مع القوانين المالية الليبية، ما يعيق عمل المصرف المركزي ويضعه في موقع سياسي يهدد شرعيته في الإدارة، واتهم السفارة بمحاولة تدوير أزمة المسار الاقتصادي في البلاد، داعيا في نفس الوقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى التدخل للحد من هذه التدخلات، مؤكدا أنها تخرج عن نطاق اختصاصها وتعد مخالفة قانونية.

عملياً فإن ما يطرحه النوبري ليس غريبا عن مساره السياسي فهو دعا في مارس 2024 بعثة الأمم المتحدة إلى وضع جدول زمني لإنهاء الوجود الأجنبي في ليبيا، معتبرا ذلك شرطا أساسيا لنجاح الانتخابات المقبلة، وبحث أكثر من مرة مع القائم بأعمال السفارة الأمريكية سبل دعم الحلول التوافقية الليبية لتسوية الأزمة السياسية في البلاد، فهو أظهر خلال عمله في المجلس التزاما بالحلول الوطنية والمصالحة.

انتعاش اقتصادي هش

جاء توحيد البنك المركزي في عام 2024 كنقطة بارزة في المسار الاقتصادي الليبي، وذلك بعد أزمة حادة هددت الاستقرار وأثرت بشكل عميق على كافة العمليات الاقتصادية الليبية، والتوقعات من بنك ليبيا المركزي الموحد الذي يرأسه المحافظ ناجي عيسى طموحة، وهناك آمال باتجاذ خطوات في تنفيذ السياسات الرامية إلى استقرار اقتصاد ليبيا، ومعالجة السياسة النقدية والحوكمة المالية.

لكن هذا التقدم يبقى هشا، وهذا ما حاول أن ينقله النويري الذي أعرب عن مخاوفه من أن النفوذ الأجنبي، وخاصة من الولايات المتحدة، ربما يعرقل هذه جهود المصالحة، ويعيد ليبيا إلى الفوضى المالية والسياسية، فبيانه كان صريحا عبر انتقاده المباشر للحوارات الاقتصادية الجارية التي تنظمها الولايات المتحدة، واستشهد بأمثلة على هذه الأنشطة، مثل الحوارات الاقتصادية التي عقدت في تونس والتي شارك فيها ممثلون عن المجموعات المتنافسة في ليبيا والبنك المركزي وديوان المحاسبة الليبي، فهذه المناقشات وفق رؤية النويري تجر البنك المركزي إلى نزاعات سياسية، ما يقوض مكانته كمؤسسة فنية محايدة.

عمليا فإن النويري يحاول أن يضع في الواجهة موقع البنك المركزي وضرورة أن “يظل مؤسسة سيادية”، ففرض استراتيجيات اقتصادية خارجية هو مخاطرة كبرى تحول البنك إلى أداة سياسية، وتضرب شرعيته ودوره في ضمان الاستقرار الاقتصادي.

السيادة مقابل الدعم الخارجي: المناقشة الأوسع نطاقا

النخبة السياسية في ليبيا منقسمة بشدة بشأن قضية التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية، في حين يرى البعض أن الوساطة الخارجية إجراء ضروري لسد الفجوات وتشجيع الإصلاح، يرى آخرون، مثل النويري، أنها تعد انتهاكا للسيادة الوطنية. وتساءل نائب رئيس مجلس النواب صراحة عن دور السفارات الأجنبية وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، داعيا إلى توضيح تفويضاتها ومسؤولياتها، فنظرة النويري تنطلق من الاستراتيجيات الغربية التي تسعى لـ”إعادة تدوير الأزمة الاقتصادية”، وتطرح روايات وأجندات خارجية متنافسة، فتصرفات السفارة الأمريكية تؤدي إلى إدامة الانقسامات داخل المشهد الاقتصادي الليبي.

أهمية ما طرحه النويري تبرز في ضرورة تأسيس مرجعية واضعة للعملية الاقتصادية في ليبيا، وذلك عبر أسئلة أساسية متعلقة بمن هو المسؤول عن التنمية في ليبيا، فهذا الأمر هو جوهر أي تحرك اقتصادي أو حتى سياسي، فهناك بعثة للأمم المتحدة بالدرجة الأولى تملك شرعية دولية، وفي المقابل تنشط السفارات التي تحاول التأثير المباشر على السياسات الليبية، وتعرقل في نفس الوقت إمكانية قيام البعثة الأممية بعملها بشكل مستقل.

تحقيق التوازن بين الدبلوماسية والسيادة

تأتي الاتهامات الموجهة ضد السفارة الأمريكية في وقت حرج بالنسبة لليبيا، فالحوار متوقف والانتخابات معطلة، وهو ما يعطي مسألة التعافي الاقتصادي حساسية بالغة لأنها تشكل المقياس بالنسبة لأي أجندة سياسية يتم طرحها، سواء عبر البعثة الأممية أو حتى من قبل الأطراف السياسية الليبية المتنافسة، فالليبيون معنيون باتخاذ خطوات عديدة لضمان عدم حدوث المزيد من الاضطرابات في الشأن المالي، وإتاحة الظروف لعمل البنك المركزي بشكل مستقل يشكل نقطة السياسية للاستقرار ولتنفيذ برامج سياسية فعالة.

وقدرة ليبيا على رسم مسار مستقر يحتاج بالدرجة الأولى لتعزيز استقلال مؤسساتها السيادية، وهذا الأمر ليس جوهريا فقط بل يشكل عمق كافة القضايا الليبية العالقة بما فيها مسألة الانتخابات، وعلى الجانب الآخر فإن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تحتاج لتحديد مهامها بصورة أوضح، فهي ليست بعثة وصاية، وفي نفس الوقت فإن دورها يجب أن يبقى بعيدا عن “الضغط السياسي”، فمهمتها تسهيل الحوار السياسي بشكل  يتوافق مع سيادة البلاد واستقرارها على المدى الطويل.

إن تصريح فوزي النويري ليس مجرد نقد سياسي؛ بل هو تحديد لمسألة السيادة الليبية في مواجهة فوضى المصالح الخارجية داخل ليبيا، وتحذيراته توضح التوازن الدقيق الذي يتعين على ليبيا أن تحققه بين التعامل مع المجتمع الدولي وحماية استقلالها، فتوحيد البنك المركزي الليبي كشف عن أسئلة مفتوحة مرتبطة بقدرة ليبيا على مقاومة الضغوط الخارجية وإعادة بناء مؤسساتها وفقا لشروطها الخاصة، وكان اختبارا حقيقيا لقدرة الأطراف الليبية على خلق توافقات حول مسألة بالغة التعقيد مرتبط باستقلالية أعلى مؤسسة مالية، والتدخلات الخارجية بهذا الموضوع هي ليست مسألة حساسة فقط، إنما خطرة لأنها تهدد استقرار ليبيا عبر تركيز التناقضات داخل مؤسسة مالية كبرى تؤثر على كافة الليبيين.

بقلم مازن بلال

انطلاق البطولة العربية العسكرية للفروسية في مصر

اقرأ المزيد