18 أكتوبر 2024

قدم منتدى “الهجرة عبر المتوسط” الذي استضافته طرابلس بانوراما لكافة مواقف الدول المشاركة فيه من مسألة الهجرة، وانتهى دون تحرك للحد من هذه الظاهرة التي تمثل تحديا أمنياً واقتصادياً وإنسانياً.

تعامل المنتدى الذي انعقد في 17 يوليو 2024 مع ملف الهجرة بشكل مستقل عن الأزمات السياسية الحادة التي تسبب هذه الظاهرة، فالمشاركة الواسعة فيه نقلت صورة عن تشعب هذه الأزمة والتحديات التي تواجه الدول والمنظمات الدولية في التعامل مع المهاجرين، لكن المنتدى كان تقنيا وابتعد بشكل واضح عن واقع الحروب والاضطرابات التي تسبب ظاهرة الهجرة، وبقي في إطار معالجة نتائج الهجرة على الدول التي تستوعب عددا كبيرا من المهاجرين وعلى الأخص ليبيا.

واقع الهجرة في ليبيا

قدم وزير الداخلية الليبي في حكومة الوفاق المنتهية الولاية، عماد الطرابلسي، صورة قاتمة لواقع الهجرة غير الشرعية، فعدد المهاجرين في ليبيا تجاوز 3 ملايين شخص حسب الطرابلسي، ويدخل إلى الأراضي الليبية ما بين 90 إلى 120 ألف مهاجر شهريا عبر الصحراء، ونتيجة الحرب في السودان والاضطرابات في تشاد وفي دول الساحل أيضا؛ هناك تجمعات هائلة للمهاجرين داخل الأراضي الليبية، ما يسبب ضغوطا أمنية واقتصادية واجتماعية كبيرة على الحكومة الليبية وبنيتها التحتية.

هذا الواقع الذي يجعل ليبيا نقطة التقاء، ويجعلها أيضا وفق الطرابلسي خط الدفاع الأول أمام تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وهذه الإشارة من الوزير الليبي تحمل معها توزيع المسؤولية عن الهجرة لكافة الدول، فحسب تصريحاته فإن ليبيا ملتزمة باتفاقياتها مع إيطاليا ومالطا لضمان أمن الحدود، لكن الكثافة البشرية للمهاجرين في مراكز الاحتجاز وعدم كفاية الموارد لتلبية احتياجاتهم الأساسية، تشكل تحديا حقيقيا أمام الحكومة الليبية، حيث دخل إلى ليبيا  منذ بداية هذا العام 760 ألف مهاجر إلى، وتم ترحيل 6 آلاف فقط.

مطالب ليبيا ودور المجتمع الدولي

تحتاج ليبيا لحلول عملية لمواجهة واقع الهجرة، على الأخص أن مسألة المساعدات الإنسانية للمهاجرين الموجودين في المراكز غير كافية، فالدعم الأوروبي لم يتجاوز 30 مليون يورو، بينما أنفقت ليبيا نحو 350 مليون دولار على هذا الملف في العام الماضي، ويمكن إذا تم تأمين طائرات لترحيل المهاجرين إلى بلدانهم بدلاً من الاكتفاء بتقديم مساعدات مالية محدودة، أن يشكل حلا أكثر ديناميكية، فالحدود الليبية الجنوبية الواسعة لا تتيح تحكما بعمليات التدفق، ولا يقتصر تدفق المهاجرين على مناطق النزاع مثل السودان، فالحدود السودانية – الليبية – التشادية أصبحت نقطة التقاء للمهاجرين من مختلف أنحاء القارة، وذلك بسبب انتشار شبكات التهريب والاتجار بالبشر.

هذا الواقع المعقد دفع الحكومة الليبية للدعوة خلال المنتدى إلى تعزيز التعاون الأمني مع دول الجوار ودول الاتحاد الأوروبي لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية، وتعزيز برنامج العودة الطوعية للمهاجرين، حيث استطاعت ليبيا عبر هذا البرنامج ترحيل عدد منهم بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، لكن الطرابلسي أشار إلى أن هذا العدد غير كافٍ، وليبيا تطالب بتوفير طائرات لنقل المهاجرين الراغبين في العودة إلى أوطانهم وتوفير الدعم اللازم للرعاية الصحية والغذاء والملابس.

منتدى طرابلس شهد أيضا ترحيبا من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التي دعت إلى مقاربة قائمة على حقوق الإنسان لحوكمة الهجرة، فالبعثة الأممية طالبت بتوفير بدائل للاحتجاز وتحسين إدارة الحدود بما يحترم حقوق الإنسان، مؤكدة على أهمية التنسيق الدولي في مواجهة تحديات الهجرة، وحسب رئيس الحكومة منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة، فإن توجيه الأموال التي تنفق على إدارة تدفقات الهجرة نحو تمويل مشروعات تنموية في دول المصدر؛ سيكون أفضل لأن الإنفاق على ملف الهجرة خلال الأعوام الماضية لم يحل المشكلة، واعتبر الديبية أن توجيه هذه الأموال إلى تنمية الدول المصدرة للمهاجرين سيكون أكثر فعالية في الحد من الهجرة غير النظامية.

مواقف دولية للتعاون الجماعي

إيطاليا التي تعتبر أقرب نقطة بالنسبة للمهاجرين كانت حاضرة في المنتدى عبر رئيسة الوزراء، جورجيا ميلوني، التي شددت على ضرورة التعاون الجماعي لمواجهة تحدي الهجرة غير النظامية، مؤكدة أن النهج الحالي يجب أن يتغير بزاوية 360 درجة، ودعت إلى مكافحة الاتجار بالبشر وتعزيز العلاقات بين دول المتوسط، فالحل وفق السياسة الإيطالية يكمن في معالجة جذور المشكلة في الدول التي تعتبر مصدر الهجرة غير الشرعية.

تونس التي تعاني أيضا من الهجرة غير الشرعية وتتعامل معها بموارد محدودة كانت حاضرة في المنتدى طالبت بزيادة الدعم المالي من الدول الأوروبية، أما البعثة الأممية في ليبيا فأكدت في بيان لها أهمية تبني مقاربة حقوقية في التعامل مع قضية الهجرة، داعية لحماية حقوق المهاجرين واللاجئين في ليبيا وتوفير بدائل للاحتجاز، خاصة للأطفال وضحايا الاتجار بالبشر.

البيان الختامي للمنتدى بقي بعيدا عن الهموم السياسية للدول الإفريقية، فهو أشار إلى أهمية تطبيق استراتيجيات تتعامل مع جذور مشكلة الهجرة غير النظامية، لكنه وضع قضايا التنمية وحقوق الإنسان فقط ضمن الحلول، دون التطرق إلى السياسات الغربية التي تخلق الأزمات وتدفع الأفارقة للهجرة، وبقيت الحلول الأمنية أيضا في صدارة ما طرحه المشاركون عبر ضرورة تحسين إدارة الحدود، وتعزيز آليات الإنقاذ والإغاثة للمهاجرين وتوفير الدعم اللازم للدول المستقبلة للمهاجرين، بينما غابت الآفاق السياسية التي يمكن أن تجعل حل ظاهرة الهجرة غير الشرعية ممكنا.

بقلم مازن بلال

تحذيرات دولية من تصاعد العنف في السودان.. المنظمات الإنسانية تستنجد بالتدخل العاجل

اقرأ المزيد