07 يوليو 2024

تصارع ستيفاني خوري، نائبة المبعوث الأممي إلى ليبيا، الزمن على مسرح الأزمة الليبية، فمهمتها تظهر في رسم سيناريوهات لإعادة إنتاج المشهد السياسي الليبي.

وشكلت الأزمة الليبية بالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية حالة تحد حقيقية خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث بدأت واشنطن بفقدان جزء من نفوذها في القارة الإفريقية، في وقت اتخذ فيه الصراع في ليبيا حالة حدية مع ظهور الغرب الليبي ضمن حالة من التنافس والنزاع، وخسر أولوية تقديم نموذج خاص بالنسبة للواقع الليبي، فحلفاء أمريكا في الغرب باتوا غير قادرين على تثبيت المصالح الغربية عموما، والحد من ظهور قوى ليبية أكثر قدرة على التحكم بمفاصل الأزمة.

وضمن التعثر في التعامل مع الأزمة جاءت استقالة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، وكان تعيين ستيفاني خوري الذي سبق انتهاء أعمال باتيلي إجراء واضح المعالم في تحولات السياسة الأمريكية، ولكن الإشكالية بقيت في كيفية تعامل ستيفاني خوري مع المشهد السياسي الليبي، وجعل الانتخابات الليبية محطة ضمن تكريس واقع ليبي خاص.

وكان واضحاً آثار خوري في السودان ضمن عملها مع بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في الفترة الانتقالية في السودان عام 2021، من خلال تطور جبهات القتال وتفكك التحالفات القائمة هناك، فخدمتها في مناطق التوتر أدت في النهاية إلى دفع المصالح الأمريكية في عمق الأزمات.

وفي ليبيا بدأت خوري عملها في صراع مع الزمن، فهي جاءت مع استقالة عبدالله باتيلي، المبعوث الأممي السابق، وفي ظل تعثر واضح في رسم خارطة طريق واضحة للانتخابات الليبية، فهي كنائبة للمبعوث الأممي تستخدم الوقت الفاصل بين استقالة باتيلي وتعيين مبعوث جديد، وتسعى لتشكيل مشهد ضمن الأزمة الليبية يجعل من أي مبعوث جديد ضمن إطار من الإجراءات التي وضعتها خوري لمسار الحل السياسي في ليبيا.

ولا ينقص خوري الخبرة في أزمات المنطقة، ولكن التحدي الذي تواجهه هو إعادة تشكيل السياسة الأمريكية وتأمين شبكة من المصالح المعقدة التي تشمل موارد الطاقة ومواجهة النفوذ الروسي والتركي، فهي ترسم سيناريو سياسي خاص يتجاوز في تفاصيله العملية السياسية، وتسهيل إجراء الانتخابات مع نهاية العام الحالي، والنتائج الواقعية التي تضعها تحتاج لإعادة إنتاج الأزمة من جديد حتى تستطيع الولايات المتحدة الاستفادة من التداعيات الجديدة المترتبة من أي تصعيد سياسي أو حتى عسكرية.

أزمة الغرب الليبي:

وتبدأ مهمة ستيفاني خوري وتنتهي في الغرب الليبي، فهي معنية بمتابعة مهام “ستيفاني ويليامز”، التي شغلت منصب رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (بالإنابة) في مارس 2020، خلفا لغسان سلامة، وعملت على تركيب المشهد السياسي الليبي المستمر حتى الآن، والمعتمد أساسا على وجود عبد الحميد الدبيبة ضمن شبكة سياسية – عسكرية في غرب ليبيا.

وأن استمرار الانقسامات السياسية والاجتماعية لم تنتج فقط عن طبيعة الصراع الداخلي فقط، بل أيضا بفعل سياسات ظهرت مع الدبيبة تعتبر أن التناقضات القائمة بين الأطراف هي فرصة سياسية، يمكن عبرها تكريس النفوذ على مستوى السياسات الأمريكية تحديدا من خلال التعامل مع شركاء ضعفاء أصلا وتتملكهم حالة تنافس حادة.

ولا تحتاج خوري إلى التعامل مع الانقسام الداخلي على أنه ظاهرة خطرة، فهو صراعات ضمن شبكة واحدة محكومة أساسا بسيناريو سياسي خاص، جعل من حكومة الدبيبة نقطة توازن داخل كافة النزاعات التي تظهر فجأة حتى ضمن الدائرة السياسية الأعلى، مثل خلافات الدبيبة مع حاكم مصرف ليبيا، الصديق الكبير، حيث تبدو تناقضات المشهد جزء من آلية سياسية تستطيع عبرها واشنطن النفاذ إلى كافة الأطراف.

ولن تكون مهمة خوري الصعبة في توحيد الأطراف المتنازعة أو على الأقل تقليل حدة التنافس بينها، بل في جعل دورها كوسيط بينهم عاملا حاسما في التأثير على مواقفهم السياسية، أو حتى نشاطهم ضمن المناطق المتواجدين فيها.

الانتخابات كاختبار أساسي:

رغم تصريحات العديد من السياسيين الليبيين بأن ستيفاني خوري لن تستطيع تحقيق اختراق في الأزمة الليبية، إلا أن أحد السيناريوهات التي يمكن أن تتعامل معها مرتبط بالانتخابات الليبية، فهو هدف جوهري لتثبيت واقع ليبي وفق التصور الأمريكي، فالشرعية الجديدة التي تبحث عنها خوري تنطبق على خلق انعكاسات لواقع الانقسام ضمن المؤسسات التي ستنتجها الانتخابات، فالاستقرار في النهاية هو توازن النفوذ الدولي والإقليمي داخل ليبيا، وهو نموذج ليس بجديد بالنسبة للإدارة الأمريكية، بل يمثل أيضا استراتيجية في التعامل مع الأزمات، حيث تصبح الدولة محكومة بقراراتها ضمن هذا التوازن.

وستحتاج خوري إلى العمل على تهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات “حرة ونزيهة” وفق المصطلح الدولي، لكن مسألة الحرية والنزاهة تبقى ضمن الشكل العام للتوازن القائم حاليا، فالانتخابات ستعكس واقع التنافس والانقسام، وستبقى مسألة الدعم الدولي العنصر الذي يحكم عمل المؤسسات الليبية.

وتدرك الإدارة الأمريكية أن واقع النفوذ الدولي في ليبيا يجعل حرية ستيفاني خوري في تعامل مع عناصر الأزمة محدودة، لكن موضوع الانتخابات هو الأكثر مرونة بالنسبة لجميع الأطراف، فالنتيجة النهائية ليست في ظهور مؤسسة حاكمة واحدة بين الشرق والغرب، بل جعل العملية الانتخابية حالة “إحراج سياسي” لبعض الأطراف، أو حتى للنفوذ الأجنبي حتى ولو كان حليفا للولايات المتحدة، مثل النفوذين الإيطالي والفرنسي، حيث أن تقليص التدخلات الأجنبية أصبحت مهمة الانتخابات التي ستنتج “شرعية” بتبعيات دولية محكومة بقوة النفوذ الأمريكي في طرابلس.

ويرتبط السيناريو الأخير لخوري بإدارة التوقعات سواء لليبيين أو حتى للمجتمع الدولي، فما يبدو أنه عقبات في العملية السياسية يمكن تحويله لـ”واقعية سياسية”، من خلال رسم توقعات الحد الممكن في ظل الظرف الليبي، وهذا الأمر هو ما يدفع السياسيين الليبيين إلى عدم توقع اختراقات يمكن أن تحدثها خوري داخل المشهد السياسي.

وتتركز مهمة خوري الرئيسية في تكريس استراتيجيات أمريكية في مواجهة تصورات أخرى مطروحة، على الأخص الآلية الروسية التي تتعامل مع الأزمة ضمن سياق من التعاون الإفريقي، وتبقى جهود الأمم المتحدة في التعامل مع الوقت الضائع حتى يتم تعيين مبعوث جديد، وتعود ستيفاني كنائبة وليس في موقع وضع الاستراتيجيات والحلول.

بقلم مازن بلال

قوى عسكرية وأمنية واجتماعية تدعم ترشح سيف القذافي لرئاسة ليبيا

اقرأ المزيد