25 نوفمبر 2024

في مؤشر جديد لاستراتيجية واشنطن في القارة الإفريقية دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى محادثات سلام ستجرى في سويسرا في 14 أغسطس.

وتأتي الدعوة بعد فشل المحادثات غير المباشرة في جنيف الشهر الماضي لتخفيف المعاناة الإنسانية، فطريق التفاوض بين أطراف الصراع السوداني وصل إلى مرحلة حرجة، خصوصا أن دول الإقليم حاولت الحد من النزاع، حيث قامت السعودية بمبادرة “جدة” التي يمكن اعتباراها الاتفاق الأولي الذي جمع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

ولكن اتفاق جدة لوقف إطلاق النار الذي شاركت فيه الولايات المتحدة انهار بشكل سريع، وتغيرت في المقابل خارطة الصراع والسيطرة على الجغرافية لكلا الطرفين، وتبدو دعوة بلينكن الجديدة محاولة لاستعادة المبادرة، وسط شكوك في القدرة الأمريكية على تحقيق نجاح ولو ضئيل، وذلك في التعقيد في الوضع السوداني، إضافة لانشغال الإدارة الأمريكية بالحملة الانتخابية.

محادثات الوقت الضائع

وجاءت دعوة وزير الخارجية الأمريكي وفق “شكل إنساني”، فالبيان الرسمي تحدث عن “حجم الموت والمعاناة والدمار في السودان”، ورغم أن الأزمة الإنسانية في السودان وصلت إلى واقع أليم مع تهجير نحو عشرة ملايين شخص، وموت الآلاف إضافة لتدمير البنى التحتية للسودان مع خطر المجاعة.

ولكن النزاع الذي بدأ في أبريل 2023، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”، لا يمكن معالجته في إطار الأزمة لإنسانية فقط، فهو مرتبط بحالة سياسية عميقة على مستوى حوض النيل بأكمله، فالنزاع اليوم هو انعكاس لصراع طويل بداية لانفصال جنوب السودان عن شماله، وحمل أيضا أزمة إقليم دارفور المرتبطة بشكل مباشر بالنزاع الحالي.

وسط هذا التشابك السياسي فإن الدعوة الأمريكية تأتي في “الوقت الضائع” حيث لا تملك الإدارة الأمريكية الزمن الكافي لإدارة الأزمة، وفي نفس الوقت تحاول تقديم دعوتها ضمن “الالتزام الإنساني” رغم أنها ابتعدت كثيرا عن مجريات الصراع، وأتاحت لتداعياته أن تصل إلى الواقع الحالي من المعاناة حيث باتت تعجز المنظمات الإنسانية على التخفيف من آثار الأزمة، وبغض النظر عما يمكن أن تحمله الدعوة الأمريكية لكن الواضح أنها لا تحمل معها تصورا جديدا لأنها انطلقت من خارج إطار السياسة وبدت وكأنها صادرة عن منظمة إنسانية وليس عن الإدارة الأمريكية.

مبادرة أمريكية جديدة: هل من فرص للنجاح؟

وضمن الشكل العام للمبادرة فإنها لا تحمل جديدا في إطار الآليات التي تم الإعلان عنها، فهي تحاول بالدرجة الأولى وضع المسؤولية على عاتق الاتحاد الإفريقي عبر إشراكه كمراقب على عملية وقف إطلاق النار، لكنها في المقابل تضع بعدا إقليميا أيضا بتوسيع عملية المراقبة عبر مصر والإمارات العربية المتحدة، إضافة لدور الأمم المتحدة كمراقبين لمنح شرعية دولية لأي اتفاق يمكن التوصل إليه، وهذه الآلية في المراقبة تحمل معها مشكلتين أساسيتين:

  • الأولى التناقض السياسي للدول المشاركة وخصوصا مع وجود الإمارات التي يوجه إليها الجيش السوداني اتهامات مباشرة بتقديم المساعدة لقوات الدعم السريع.

وبالتأكيد فإن مصر أو الاتحاد الإفريقي عموما يمكن ان يمثلا أطرافا محايدة، إلا أن المحاولة الأمريكية تريد وضع السياسات الإقليمية تجاه السودان ضمن اتجاه واحد، فالمصالح المتناقضة للأطراف المشاركة من النزاع الحالي تبدو واضحة، وإدخال الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص يبدو متناقضا مع السياق الإفريقي الذي يجب أن تسير عليه حل الأزمة.

  • المشكلة الثانية هي في قدرة التأثير على أطراف النزاع في السودان، فهما لم يمتثلا لقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، وعدم الاكتراث لهذا القرار نابع من أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يعرفان مسبقا أن القوى الكبرى المؤثرة في مجلس الأمن ليست مستعدة لممارسة ضغط حقيقي لتنفيذ القرار الأممي، السؤال الذي يرافق المبادرة الأمريكية هو: هل واشنطن مستعدة للضغط لإنجاح المبادرة؟ خصوصا على حلفائها الذين يدعمون أطراف الصراع؟

وعمليا لا تملك الولايات المتحدة حاليا القدرة على المبادرة في زمن تشهد فيه تسارعا نحو الانتخابات الرئاسية، وهي قدمت دعوتها وكأنها استكمالا لمباحثات جدة، ولا يكفي هنا ترحيب الأطراف المتنازعة بالمبادرة لأنها حتى اللحظة مازالت تستند إلى أرضية سياسية هشة.

وتواجه الدعوة الأمريكية تحد أساسي في البرود الذي ظهر من الجيش السوداني تجاه التفاوض، ففي الوقت الذي سارع الدعم السريع بقبول ما تطرحه الولايات المتحدة، فإن الجيش السوداني لا يبدو متحمسا، وذلك استنادا لمؤشرات الواقع الميداني بالدرجة الأولى، كما أنه ينتظر ردود الفعل الدولية والإقليمية.

وكما أن توقيت المبادرة يطرح صورة لسعي الولايات المتحدة من أجل تحقيق نجاح دبلوماسي تستفيد منه في الانتخابات لمواجهة دونالد ترامب وحملته الرئاسية،فالمبادرة تعد بمثابة “مراجعة للتقاعس الدبلوماسي” الأمريكي في التعامل مع الأزمة السودانية منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021.

آفاق الحل والسلام

لا تقدم الدعوة الأمريكية سوى مؤشرات عن الاهتمام الدولي بضرورة إنهاء الحرب في السودان بأسرع وقت ممكن، فهناك جهد دبلوماسي يتجاوز الولايات المتحدة لوضع حد للنزاع بسبب نتائجه الكارثية على المستوى الإقليمي والدولي، فتداعيات ما يحدث تنتشر بشكل سريع وتؤثر على كافة دول الإقليم، وتغير في نفس الوقت من الاتجاهات السياسية في معظم القارة الإفريقية، وهي تحمل معها أشكالا للهجرة غير الشرعية التي تصل إلى سواحل أوروبا.

وبالتأكيد فإن واشنطن تمتلك أوراق ضغط قوية على الأطراف السودانية، لكنها لا تستطيع استخدامها بشكل منفصل عن التوافقين الإقليمي والدولي، فالحرب بالسودان لا يمكن وقفها استنادا إلى النظر فقط للبعد الإنساني، لأن هناك مصالح دولية تحتاج أيضا للنظر إليها، على الأخص أن السودان بموقعه الجغرافي يؤثر على الممر البحري الأساسي باتجاه أوروبا (البحر الأحمر)، ويجاور دولا تحمل ثقلا سياسيا مثل مصر، فالحل في السودان لا يمكن أن يظهر فقط على رؤية أمريكية تحاول تجميع بعض خيوط الصراع فقط.

ضمن كافة المؤشرات فإن الدعوة الأمريكية تبقى خطوة تائهة حتى ولو استطاعت تحقيق نتائج مؤقتة ومحدودة، لأنها تريد احتكار الحل واستباق التسارع السياسي الذي يحد من نفوذها في الكثير من الدول الإفريقية.

بقلم مازن بلال

ارتفاع حصيلة وفيات وباء الكوليرا في السودان

اقرأ المزيد