25 نوفمبر 2024

ظهرت القطع البحرية الأمريكية فور اندلاع الحرب في غزة وبشكل يوحي بأن حرباً إقليمية تهدد شرقي المتوسط، ومع دخول الحرب شهرها العاشر فإن شبح تطور الصراع مازال قائماً.

عملياً فإن الحرب التي شملت قطاع غزة وجنوبي لبنان تقدم صورة صراع إقليمي كامل، فهي وعلى امتداد الشهور الماضية اتسعت باتجاه البحر الأحمر الذي شهد تقلصا في حركة الملاحة، في المقابل فإن إيران دخلت ولو لمرة واحدة على خط الصراع بعد الاعتداء على سفارتها في دمشق، لكن الأمر الأساسي أن الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيين ينظرون إلى الصراع بشكل يتضمن مسألتين:

  • الأولى مشروعية الحرب القائمة حاليا كونها وفق تصورهم من جزء محاربة الإرهاب، فكافة التصريحات تندرج عمليا في حماية المدنيين، وفي أحسن الأحوال تصفية “حماس” سياسيا، بينما تبقى احتمالات الصراع الإقليمي جزء من الاستراتيجية لإعادة رسم المنطقة كجزء من نتائج الحرب الحالية.
  • المسألة الثانية في إعادة تموضع إسرائيل ضمن النظام الإقليمي الذي تريده الولايات المتحدة، فبغض النظر عن تعقيدات الوضع الفلسطيني، هناك محاولة عزل لمسار السلام الخاص بحل الدولتين عن الشكل الإقليمي القادم والذي يشمل علاقات إسرائيلية مع السعودية بالدرجة الأولى.

تُبرر المسألتان السابقتان بالنسبة للولايات المتحدة أية مغامرة عسكرية على المستوى الإقليمي، حيث تبدو التصريحات السياسية حالة من خلق مسار يحاول تجنب الصراع الإقليمي، لكنه في النهاية هناك مظاهر عسكرية تطرح مؤشرات بأن هناك أثمانا سياسية لا بد منها كي يصبح “انتصار” إسرائيل له شكل آخر بعيدا عن طموحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

يمكن قراءة الاحتمالات القادمة عبر طبيعة التطور العسكري الأمريكي والأوروبي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، إضافة للتحركات الدبلوماسية التي شهدها لبنان لمحاولة محاصرة الصراع بطريقة خاصة، ويقدم الرسم البياني التالي صورة لتطور الوضع العسكري:

يوضح الرسم البياني تطور التواجد العسكري على السواحل الشرقية للمتوسط، حيث تم نشر حاملة الطائرات الأمريكية أيزنهاور في 20 أكتوبر 2023، كما وصلت حاملة طائرات بريطانية في 10 يناير 2024، أما بالنسبة لحلف الناتو فوصلت مدمرات في 5 نوفمبر 2023، وتم نشر فرقاطة فرنسية في 15 ديسمبر 2023، وغواصة إيطالية في 15 مارس 2024، وهناك الدوريات البحرية الألمانية التي باشرت في 10 أبريل 2024، وسفينة لوجستية كندية وصلت في 5 مايو 2024، إضافة قوة المهام البحرية الإسبانية التي تم نشرها في 1 يونيو 2024، وتم تعزيز المدمرات الأمريكية في 20 يونيو 2024 بوحدات إضافية.

بالتأكيد فإن الكثافة العسكرية لا تعكس قلقا من “حماس” التي تملك أهدافا ضمن جغرافية محددة، وفي نفس الوقت فإن قوة حزب الله تبقى حالة ردع بالدرجة الأولى ولكنها تشكل ظاهرة سياسية متعبة بالنسبة لإعادة رسم العلاقات في المنطقة، فردع حزب الله هو في كونه واقعا سياسيا يجعل أي حرب إقليمية بالنسبة للواشنطن ضمن مسار ما تريده من تحولات في شرقي المتوسط.

“حزب الله” وتوازن القوى

تذهب بعض التحليلات إلى أن “حزب الله” يمتلك قدرات عسكرية تجعله قادراً على مواجهة القوات الإسرائيلية بفعالية، وتستند القراءات حول هذا الموضوع إلى تجربة حرب عام 2006، إضافة لطبيعة المواجهة الحالية وما استخدمه الحزب من عتاد في جبهة الجنوب، لكن هذه المقاربة تغفل عاملين أساسيين:

  • الأول الظروف السياسية الداخلية لحزب الله في لبنان، فالحاضنة الشعبية المتبدلة بشكل دائم تختلف نوعيا عن ظروف حرب عام 2006، وهو ما جعل حزب الله يلتزم قواعد اشتباك واضحة تحاول عدم تجاوز خطوط الشمال الإسرائيلي باتجاه العمق.

حاولت “إسرائيل” إحراج الحزب بتنفيذ اغتيالات في العمق اللبناني، وحتى ضمن الأراضي السورية، لكن حدود الاشتباك بقيت بالنسبة لحزب الله عند هدف واحد وهو التخفيف من الأعباء التي يتحملها أهل غزة، ورغم أن هذا الهدف لم يمنع إسرائيل من التدمير الممنهج لقطاع غزة، لكنه في المقابل بدل من طبيعة الجبهة على طول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وبشكل يجعل الوضع ما بعد الحرب مختلفا تماما.

يوضح الرسم البياني عمليات النزوح التي حدثت خلال تسعة أشهر وبشكل يغير من “الديموغرافيا” على طول الجبهة، ويجعلها مع الزمن منطقة عسكرية بالمطلق:

الملاحظ أنه مع بداية الشهر السادس تزايد النزوح وبشكل يؤشر على حدة المعارك من جهة، وإطالة أمد الحرب التي تعتبر سابقة بالنسبة لإسرائيل، وفي الخريطة التالية توضيح لمناطق النزوح على أطراف الجبهة:

Location Direction Distance (km)
شمال إسرائيل جنوب 20
جنوب لبنان شمال 15
حيفا شمال 10
عرب العرامشة جنوب 5
العديسة شمال 8
كريات شمونا جنوب 12
متولا جنوب 6

 

  • الأمر الثاني هو التبعات الاقتصادية المترتبة على لبنان أو حتى إسرائيل، فالظرف الإقليمي لا يتيح عمليات إعادة الإعمار في لبنان تحديدا كما حدث بعد حرب 2006، والاستنزاف الاقتصادي لدول المنطقة بعد الربيع العربي أدخل شرقي المتوسط في حالة من “الإفلاس” الاقتصادي عموما.

بدأت خسائر لبنان وفق الرسم البياني بـ 100 مليون دولار في أكتوبر 2023 وارتفعت بشكل ثابت إلى 500 مليون دولار في يونيو 2024، أما بالنسبة لإسرائيل فبدأت الخسائر بـ 120 مليون دولار في أكتوبر 2023 وارتفعت إلى 540 مليون دولار في يونيو 2024.

إن كافة التداعيات السابقة لا تؤشر فقط إلى صعوبة توسيع رقعة المواجهات، بل تجعل من احتمال الحرب الإقليمية خيارا أمريكيا بالدرجة الأولى، فهو مرهون بنوعية الاتفاق الذي يمكن إبرامه لتحييد حماس من المعادلة الإقليمية، وبطبيعة التعاون العربي لوضع غزة ضمن ترتيب سياسي جديد، في المقابل فإن أي اتفاق ينهي أشكال المقاومة في غزة ويجعل أمن القطاع مسؤولية عربية سيجعل جبهة الشمال الإسرائيلي مفتوحة من جديد، ويفرض إيجاد تعديلات جوهرية في التكوين السياسي اللبناني لتحييد حزب الله أيضا من المعادلة الإقليمية.

إذا كانت الولايات المتحدة تسعى بالفعل لرسم توازنات سياسية جديدة تؤمن استقرار علاقة إسرائيل بدول الخليج بما فيها المملكة العربية السعودية؛ فهي تحتاج لتغيير جبهة الشمال الإسرائيلي، خصوصا مع حمله الصراع الحالي من تحولات ديموغرافية، وإذا كان من الصعب خوض حرب واسعة يتدخل فيها حلف الناتو والقوات الأمريكية على غرار ما حدث عام 1982، فإن الأساطيل العسكرية في المتوسط ستكون ضمن حالة الردع السياسي وللحفاظ على توازن قلق يمكن أن ينهار في ظرف مستقبلي، فالتوتر هو ما سيبقى سواء توسعت الحرب أم بقيت ضمن استنزاف دائم للمنطقة.

بقلم مازن بلال

مصر ترد على تصريح بايدن بشأن قطاع غزة

اقرأ المزيد