22 نوفمبر 2024

فتح تقرير “الإندبندنت” حول احتمال انهيار الاقتصاد الليبي جدلا واسعا، فرغم رد وزارة الخارجية الليبية، لكن الأسئلة ما تزال مفتوحة حول طبيعة الأرقام التي أوردها التقرير.

النقطة الرئيسية التي لا يمكن تجاهلها هو أن ليبيا تواجه أزمنة سياسية وأمنية متشابكة، وهذا الأمر سينعكس بالتأكيد على الأداء الاقتصادي، فقبل البدء بمناقشة الأرقام لا بد من النظر إلى الواقع القائم، سواء على صعيد تواجد حكومتين، أو حتى طبيعة الخلافات داخل حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية، على الأخص المشاكل التي نشأت بين حاكم مصرف ليبيا المركزي الصديق عمر الكبير وعبد الحميد الدبيبة، أو حتى الصراع داخل وزارة النفط مع وجود وزيرين، محمد عون وخليفة عبد الصادق، فهذا الأمر يؤشر ليس على أزمة فقط بل أيضا على عمليات فساد وتلاعب واضح في أهم الموارد التي تملكها ليبيا.

تقرير صحيفة “الإندبندنت”

عند تناول تقرير في صحيفة تملك “عراقة” على الأقل على مستوى المصداقية فلا بد من النظر إلى طبيعة تناولها لأي موضوع حتى لا تصبح المعطيات التي تقدمها حالة تهجم، فما قدمته صحيفة “الإندبندنت” يعتمد منهجية مختلفة عن المؤسسات المالية الدولية، حيث يستند إلى مصادر متنوعة مثل التصريحات الحكومية، والمقابلات مع الخبراء المحليين، والتقارير الإخبارية، والتقارير الصحفية لتركز على النقاط السلبية ليس لجذب القراء فقط، بل أيضا لربط الأحداث ومحاولة قراءة الأزمات عبر جوانبها السياسية بالدرجة الأولى.

عمليا فإن الفوارق في النهج التحليلي والأهداف والمصادر بين تقرير ” الإندبندنت” ومؤسسات المالية الكبرى؛ يخلق تباينات لا تعني في النهاية أن التقارير الصحفية تسيء قراءة المعطيات، بل تطرح زاوية جديدة للقراءة، فتقرير الإندبندنت” نقل عجزا في النقد الأجنبي في ليبيا خلال الأعوام الأربعة الماضية تجاوز 22 مليار دولار، ما اضطر المصرف المركزي لاستخدام احتياطياته لتغطية هذا العجز، وهدد بخطر الاستنزاف، وتوقعت الصحيفة أن يصل العجز إلى قرابة 20 مليار دولار بنهاية العام الحالي، مشيرة إلى أن الانقسام السياسي والتحديات الاقتصادية يزيدان من هشاشة الوضع الاقتصادي، ويوضح الرسم البياني الأرقام كما قدمها تقرير “الإندبندنت”:

في مقارنة أوليه مع تقرير مصرف ليبيا المركزي الذي غطى الفترة من يناير إلى يونيو 2024، فإن التوقعات تبدو متقاربة، حيث يوضح المصرف أن إجمالي الإيرادات الوطنية بلغت 45 مليار دينار ليبي (ما يعادل 7.3 مليار دولار أمريكي)، بينما بلغ الإنفاق العام 43.7 مليار دينار (6.9 مليار دولار)، وأظهرت البيانات توسع العجز في النقد الأجنبي الذي وصل إلى 9 مليارات دولار، حيث أن الإيرادات من النقد الأجنبي بلغت 9.1 مليار دولار، في حين أن الاستخدامات الخارجية قفزت إلى 18 مليار دولار.

ويُشير التقرير إلى أن الإيرادات النفطية بلغت 37 مليار دينار (6 مليارات دولار)، وهي أقل من المتوقع بسبب تقلبات أسعار النفط على المستوى العالمي، وألقى التقرير الضوء على الإنفاق الكبير للمؤسسات الموازية، حيث تجاوز إنفاق مجلس الوزراء في حكومة “الوحدة الوطنية” مليار دينار (162 مليون دولار)، بينما سجل إنفاق مجلس النواب والجهات التابعة له 496 مليون دينار (80 مليون دولار)، المجلس الأعلى للدولة أنفق 21 مليون دينار (3.4 مليون دولار)، والمجلس الرئاسي وجهاته التابعة 230 مليون دينار (37 مليون دولار).

إن بيانات  المصرف المركزي وما أوردته صحيفة “الإندبندنت” يتماشيان بشكل عام، وهذا يعطي صورة متسقة عن الوضع الاقتصادي الراهن في ليبيا، وهناك بعض النقاط الرئيسية التي تتقاطع فيها المعلومات من كلا المصدرين:

  • العجز في النقد الأجنبي: كلا المصدرين يشير إلى عجز كبير في النقد الأجنبي يصل إلى مليارات الدولارات.
  • الإيرادات والنفقات: يتناول كلا التقريرين الإيرادات والنفقات خلال الفترة المذكورة، مع تأكيد على أن الإنفاق يقترب من مستوى الإيرادات، ويؤدي إلى الضغوط المالية.
  • التأثيرات الاقتصادية للأزمات السياسية والفساد: كلا التقريرين يذكران كيف أن الفساد والأزمات السياسية تؤثر سلبا على الاقتصاد، مع التركيز على كيفية تأثير هذه العوامل على استقرار وتنمية الاقتصاد الليبي.
  • الإيرادات النفطية: تعتبر الإيرادات النفطية محورية للاقتصاد الليبي، وكلا المصدرين يشير إلى أن هناك تحديات بسبب تذبذب أسعار النفط.

ما يطرحه صندوق النقد الدولي

اعتمد الرد الليبي الصادر عن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية على ما يقدمه صندوق النقد الدولي بالدرجة الأولى، حيث تؤكد معلومات الصندوق على الحاجة إلى رؤية اقتصادية واضحة ومستدامة، ويتوقع نموا اقتصاديا يبلغ 8% في 2024، ولم يذكر الصندوق نفس الأرقام المتعلقة بالعجز، بل أكد على أهمية تحسين الإطار المالي لزيادة قدرة الاقتصاد الليبي على الصمود أمام الصدمات، ويوضح الرسم البياني التالي توقعات النمو حسب صندوق النقد الدولي:

أشار صندوق النقد الدولي إلى أن إيرادات النفط في عام 2023 بلغت 25.4 مليار دولار، مع توقعات بزيادة إنتاج النفط إلى 1.5 مليون برميل يومياً بحلول 2026، وفي الوقت الذي حمل فيه تقرير صحيفة “الإندبندنت” تشاؤما عبر استمرار العجز في ظل انخفاض أسعار النفط وتذبذبها، فإن صندوق النقد الدولي بدى حياديا واعتبر أن ليبيا لديها إمكانيات لتحقيق نمو اقتصادي مستدام إذا تمكنت من إدارة مواردها بشكل أفضل، وتوقع الصندوق أن يصل إنتاج النفط إلى 1.5 مليون برميل يوميا بحلول 2026، مما يساهم في دعم النمو الاقتصادي المتوقع بنسبة 8% في 2024.

تظهر التقارير تباينا كبيرا بين تقييم “الإندبندنت” وصندوق النقد الدولي للوضع الاقتصادي الليبي، في حين تركز “الإندبندنت” على العجز الكبير والفساد السياسي، يشدد صندوق النقد الدولي على إمكانيات النمو الاقتصادي والدعوة إلى رؤية اقتصادية مستدامة وإصلاحات مالية، والرسمان البيانيان التاليان يوضحان الفرق ما بين “الإنتبندنت” وصندوق النقد الدولي:

إن اختلاف الأرقام بذاته يوضح طبيعة وعمق الأزمة الليبية، فصندوق النقد الدولي يعتمد على البيانات الرسمية التي تصدر أساسا عن المؤسسات الليبية التي تعيش أزمة حقيقية، ومن المهم التأكيد على أن الاقتصاد الليبي ومهما اختلفت الأرقام لا يمكن أن يبدي تعافيا في ظل الصراعات القائمة ضمن المؤسسات الاقتصادية الليبية، فالخلافات داخل حكومة الوحدة الوطنية أصبحت ضمن دائرة التركيز، وانعدام السيولة التي ظهرت في عدة مناسبات لا يمكن تجاوزها، فليس الاقتصاد الليبي وحده في خطر بل ليبيا بأكملها إذا لم تصل العملية السياسية فيها إلى حلول جذرية.

بقلم مازن بلال

ليبيا: جهاز مكافحة الهجرة في طبرق يرحّل 82 مهاجراً غير شرعي

اقرأ المزيد