05 يوليو 2024

منذ مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في بنغازي عام 2012، انكفأ نشاط الإدارة الأمريكية في ليبيا، لكنه يعود من جديد بوتيرة متسارعة وادعاءات مختلفة حول الخطر من الدور الصيني والروسي في ليبيا.

وجاء تعيين جينيفر جافيتو كسفيرة فوق العادة للولايات المتحدة في ليبيا خلفاً لـ”ريتشارد نورلاند” ليؤكد اتجاهات الإدارة الأمريكية في تعميق سياساتها تجاه ليبيا، وهو ما عبرت عنه جافيتو خلال بيانها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، حيث حذرت من النفوذ الروسي والصيني المتزايد في ليبيا، مشيرة خصوصاً إلى النجاحات التي حققتها شركات الاتصالات الصينية، إضافة لمساعي الكرملين في “علاقة دفاعية” رسمية أكثر انفتاحاً مع الجهات الفاعلة الليبية، كطريقة منخفضة التكلفة “لزعزعة استقرار الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي”.

الصورة الدبلوماسية الأمريكية

بالنسبة للإدارة الأمريكية فإن التواجد السياسي والعسكري في ليبيا يتجاوز ما تحدثت عنه جافيتو، فرغم إشاراتها الاستراتيجية حول التهديدات الصينية والروسية ولكنها في نفس الوقت أرادت إثارة لوبي الصناعات الأمريكية عبر إشاراتها إلى إمكانية دعم الصناعة الأميركية كبديل للشركات الصينية في قطاع التكنولوجيا والاتصالات، وذلك لضمان عدم اعتماد ليبيا على شركاء “غير جديرين بالثقة” حسب تعبيرها لأمنها القومي، فالعمق الذي تبدو عليه سياسة الإدارة الأمريكية في دعم بعثتها الدبلوماسية وتطويرها هو منافسة شرسة لاحتكار الحل السياسي، حيث تظهر ثلاث مؤشرات أساسية:

  • الأمر الأول هو التخوف الأمريكي من أن تخلق روسيا “علاقة دفاعية” مع الجهات الفاعلة الليبية، وهو ما يتم الترويج له في الإعلام الغربي باسم “الفيلق الإفريقي”، حيث ترى واشنطن ضرورة ملحة إلى التحرك للحد من هذا النفوذ العسكري الروسي.
  • الأمر الثاني هو رؤية ليبيا كجسر استراتيجي للتمدد نحو العمق الإفريقي، حيث ترى الإدارة الأمريكية فراغاً سياسياً تفرضه الأزمة الليبية نتيجة عدم القدرة على إيجاد حل سياسي، وهو ما يدفعها لخلق قاعدة دبلوماسية صلبة، فهي تحاول التعويض عن عجز حلفائها الأوروبيين الذي تخلوا بشكل عسكري مباشر في ليبيا من ضبط الأوضاع، وتحاول الحد أيضاً من الأدوار الإقليمية التي تطورت وعلى الأخص الدورين المصري والتركي.
  • تعتقد الولايات المتحدة أن دورها المتنامي في ليبيا يمكن أن يساعدها في المراقبة والتحكم في الشمال الإفريقي عموماً، فالمسألة تتجاوز إعادة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، فالحل السياسي بالنسبة لها هو سياق لاستراتيجيتها الإفريقية، لذلك فإن تواجدها بقوة في ليبيا يرتبط عبر خطابها في إطار “الجهود لمكافحة الإرهاب في المنطقة”، فهي تراها نقطة عبور رئيسية للإرهابيين والمهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا.

تعطي المؤشرات الثلاث السابقة القاعدة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في تطوير تواجدها الدبلوماسي في ليبيا، فهي ترى مخاطر لنفوذها في إفريقيا وليس فقط في ليبيا التي تبدو نقطة التماس الأخطر مع باقي الأدوار الإقليمية والدولية، فالتحرك السياسي الأمريكي هو الغطاء العام الذي يعكس استراتيجية تريد الولايات المتحدة أن تكون فيها أكثر فاعلية.

الإجراءات الأمريكية في ليبيا

جاء تعيين جينيفر جافيتو ليكمل الدعم السياسي لـ”ستيفاني خوري” نائبة المبعوث للشؤون السياسية في البعثة الأممية للدعم في ليبيا، ما يتيح للولايات المتحدة دوراً أكبر في توجيه العملية السياسية، فإدارة بايدن أعلمت الكونجرس سابقاً عن خطتها لإعادة الحضور الدبلوماسي الأمريكي في ليبيا، والتي تستغرق من عام إلى عامين لإقامة “منشأة دبلوماسية مؤقتة” في طرابلس، وتسعى إدارة بايدن عبر طلب ميزانية للسنة المالية 2025 الحصول على 57.2 مليون دولار لتمويل وجود دبلوماسي قوي في ليبيا، بما في ذلك التكاليف المتعلقة بالممتلكات، والسفر، والمعدات، والأمن في المنشأة المزمع إنشاؤها في الضواحي الغربية لطرابلس.

وعلى الجانب الآخر فإن التواجد العسكري المتزامن مع تكثيف التواجد الدبلوماسي يظهر عبر حركة الملحق العسكري الأمريكي في ليبيا المقدم مارك إمبلوم، وشهدت الشهور الأخيرة سلسلة من اللقاءات بين الملحق العسكري بالسفارة الأمريكية وقيادات عسكرية في شرق وغرب ليبيا، وهذه اللقاءات تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني، حيث زار الملحق العسكري الأمريكي الوحدات العسكرية في مصراتة والخمس، وخلق أشكالاً من التنسيق مع قادة اللواء 53 مشاة مستقل وحرس السواحل وأمن الموانئ.

ما يمكن أن تعكسه كل التحركات الأمريكية لتعزيز وجودها الأمريكي في ليبيا يعد تحولاً استراتيجياً في سياسة واشنطن تجاه ليبيا وشمال إفريقيا عموما، فمن خلال زيادة عدد الدبلوماسيين وتعزيز التعاون العسكري، تريد الولايات المتحدة توفير شروط كاملة للمنافسة مع الأدوار القائمة حالياً، ومع كافة الاحتمالات  من تطور الدورين الروسي والصيني، فالهدف الأمريكي الأساسي هو الحفاظ على المصالح الحيوية في المنطقة، وجعل العملية السياسية الليبية جزءاً من الاحتواء الأمريكي لكافة تطورات الشمال الإفريقي.

نضال الخضري

الخارجية الليبية: تربطنا علاقة طويلة الأمد بروسيا ونعتمد عليها بإيجاد توازن في المنطقة

اقرأ المزيد