في ضوء التغيرات السياسية الأخيرة في جنوب إفريقيا، برزت تساؤلات حول مدى استمرارية دعم البلاد للقضية الفلسطينية، خاصة بعد تشكيل حكومة ائتلافية جديدة تضم أحزاباً بمواقف متباينة حول الصراع في الشرق الأوسط.
ما حدث في الانتخابات هو خسارة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي للأغلبية البرلمانية بحصوله على 159 مقعداً، بينما حل التحالف الديمقراطي ثانياً عبر 87 نائباً في البرلمان، وحزبuMkhonto 58 مقعداً، واحتل 15 حزباً وحركة سياسية باقي مقاعد البرلمان، ويوضح الرسم التالي توزع المقاعد لكافة الأحزاب:
ودفع هذا الوضع السياسي الرئيس سيريل رامافوزا، لتشكيل حكومته بعد أسابيع من المفاوضات والتفاوض على المناصب الوزارية مع 11 شريكاً، فيما احتفظ، بول ماشاتيلي، بمنصب نائب الرئيس، وعيّن رونالد لامولا، وزيراً للعلاقات الدولية والتعاون، وهذا التوازن في الحكومة يجعل اتخاذ مواقف سياسية قوية، خصوصاً من المسألة الفلسطينية أمراً معقداً نتيجة تعدد الأحزاب وتباين المواقف، لكن معظم الأحزاب تأخذ موقفاً منحازاً أكثر للموضوع الفلسطيني، والرسم البياني يقدم صورة عن نسبة الدعم المقدم سياسياً للفلسطينيين:
يمكن ملاحظة أن الفئة التي تدعم بقوة الفلسطينيين هي الأكبر مثل المؤتمر الوطني الإفريقي ومقاتلو الحرية الاقتصادية، ما يعكس تعاطفاً ودعماً قوياً للقضية الفلسطينية، وهذه الأحزاب ترى أن هذا الدعم يندرج ضمن إطار مكافحة العنصرية والتمييز، أما الأحزاب المحايدة مثل التحالف الديمقراطي، فتسعى للحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع كل من إسرائيل وفلسطين، وهناك مجموعة تدعم قطع العلاقات الدبلوماسية إغلاق السفارة الإسرائيلية وتعليق العلاقات مع إسرائيل ولا تمثل قوة فاعلة، لكنها تعتبر مساندة للتحالفات التي تدعم اتخاذ مواقف حازمة في الموضوع الفلسطيني، وبشكل عام، الرسم البياني يعكس تبايناً واضحاً في مواقف الأحزاب الجنوب إفريقية من القضية الفلسطينية، مع وجود اتجاه قوي نحو دعم الفلسطينيين خاصة من الأحزاب ذات التوجهات اليسارية أو القومية.
مسار المحكمة الدولية:
بذلت جنوب إفريقيا جهداً قوياً خلال الحرب الحالية على غزة، وقامت برفع دعوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية؛ اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة، وهذه الخطوة غير المسبوقة تجاه إسرائيل يمكن اعتبارها كسراً لكل القيود التي حاولت الولايات المتحدة بالدرجة الأولى فرضها على أي تحرك يمس إسرائيل، والمحكمة لن تتوقف حتى مع وجود حكومة جديدة في جنوب إفريقيا، لأن الاتجاه السياسي العام سواء قي جنوب إفريقيا، وفي العالم بصورة عامة، يأخذ منحى لمحاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو على الأقل، وهذه الخطوة من قبل جنوب إفريقيا مرتبطة باستراتيجيتها السياسية أكثرمن كونها موقفا خاصاً لحزب المؤتمر الوطني.
ضمن المؤشرات الحالية فإن الحكومة الجديدة لجنوب إفريقيا، والتوازنات الجديدة في البرلمان لن تؤثر في المشهد السياسي رغم أن الائتلاف الجديد الذي يضم حزب التحالف الديمقراطي وحزب الحرية إنكاثا القومي، يحمل وجهات نظر مختلفة تجاه القضايا الدولية بما في ذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن الالتزام بسياسة خارجية ترتكز على حقوق الإنسان والتضامن العالمي، كما جاء في الاتفاق الائتلافي، يظل محوراً رئيسياً في تحديد كيفية تعامل جنوب إفريقيا مع الصراعات الدولية، وهذا يشمل الحفاظ على الدعم لفلسطين والاستمرار في تعزيز الأجندة الإفريقية لعام2063، التي تسعى لتحقيق عالم أكثر عدلاً وسلماً.
في المقابل فإن التشكيل السياسي الجديد في برلمان جنوب إفريقيا هو اختبار لتعقيدات الائتلاف الحكومي الجديد، وقدرة جنوب إفريقيا على مواصلة دورها كمدافع عن حقوق الإنسان، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة من بعض الأحزاب اليمينية مثل التحالف الوطني الشعبوي، الذي يرى في السياسة الخارجية الجنوب إفريقية تحدِ للواقع الدولي الجديد، فالتوفيق بين مبادئ الحكومة والحاجة إلى الوحدة الوطنية سيشكل العنوان الأساسي للمرحلة القادمة خصوصاً أن الساحة الإفريقية فيها أزمات مختلفة وصراعات دموية واستقطاب دولي حاد، فالموضوع الفلسطيني هو “معيار” التحول أو البقاء نظراً لأن تباين المواقف الدولية تجاهه تقارب بشكل كبير المواقف من الأزمات الإفريقية.
الغرب وتحركات جنوب إفريقيا
يطرح الموقف الأمريكي والأوروبي عموما تجاه تصرفات جنوب إفريقيا من الحرب على غزة صورة معقدة؛ فبالنسبة لجنوب إفريقيا التي عانت لعقود من مواقف حادة خلال حكم التمييز العنصري من قبل الولايات المتحدة، فهي مضطرة لإيجاد توازن بين المصالح الاستراتيجية والالتزامات الأخلاقية، فالعديد من الدول الغربية تعتبر الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية؛ بمثابة تحد للسردية الغربية التقليدية التي تشدد على ضرورة الدفاع عن الديمقراطيات في مواجهة الإرهاب، وتعتبر أن موقف جنوب إفريقيا يمكن أن يشكل سابقة خطيرة، تشجع دولاً أخرى على تحدي النفوذ الغربي في القضايا الدولية، ما يثير مخاوف من تآكل الهيمنة الغربية على المؤسسات الدولية.
بالتأكيد هناك بعض الأصوات في الغرب ترى في تحركات جنوب إفريقيا تعزيز الجهود العالمية نحو العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وتدعو إلى إعادة تقييم السياسات الغربية تجاه الشرق الأوسط وتعزيز مبادئ القانون الدولي والتعددية، لكن هذه الأصوات تبقى بعيدة عن الدوائر السياسية للعواصم الكبرى، لذلك يبقى موقف جنوب إفريقيا تحد تواجهه عبر إيجاد مسار تحفظ فيه مصالحها الدبلوماسية والاقتصادية مع الغرب، مع إيجاد توازن بشأن مواقفها من الموضوع الفلسطيني أو غيره من القضايا التي تخص القارة السمراء.
بقلم نضال الخضري
الاتحاد الأوروبي وفرنسا وبريطانيا ينددون بتصريحات وزير المالية الإسرائيلي