05 ديسمبر 2025

في ولاية غرداية الجزائرية، تمثل مدينة “تافيلالت” نموذجاً فريداً للبناء البيئي المستدام، حيث يعيش السكان دون مكيفات أو مدافئ، داخل منازل تقليدية بُنيت بمواد محلية تعزل الحرارة والصوت، مما يجعلها مثالاً للهندسة الخضراء.

والمدينة، التي أنشأتها مؤسسة “أميدول” في منطقة بني يزقن، باتت تُعرف رسمياً باسم “قصر تافيلالت”، وتمتد على مساحة 5.9 هكتارات، تضم 1050 مسكناً يقيم فيها نحو 5500 نسمة، وقد حصدت خلال السنوات الماضية عدة جوائز إقليمية ودولية، من أبرزها الجائزة الدولية للسكن بالشراكة مع الأمم المتحدة في يناير الماضي، وجائزة “ناشيونال إنيرجي غلوب” النمساوية سنة 2021، وجائزة الإدارة البيئية العربية عام 2015.

وعند دخول المدينة، يلفت الانتباه الطابع المعماري التقليدي للمساكن المبنية من الحجر والطين، بتصاميم مدروسة تضمن دوران الهواء الطبيعي وتوازن درجات الحرارة، كما تضم المدينة حديقة حيوانات صغيرة تزخر بأنواع نادرة من السلالات الحيوانية، رغم مساحتها المحدودة.

وخلال جولة لقناة أخباربة، استعرض أحد سكان المدينة، السيد محمد، تفاصيل منزله التقليدي قائلاً: “المنزل يتكون من طابق أرضي وطابق علوي وسطح، وبينها فتحة تسمح بمرور تيارات الهواء، ما يجعلنا في غنى تام عن أجهزة التكييف أو التدفئة، درجة الحرارة قد تصل خارج المنزل إلى 35 مئوية، لكنها تبقى داخل البيت في حدود 25 فقط، بفضل العزل الحراري الذكي الذي توفره المواد التقليدية المستخدمة في البناء”.

وأضاف محمد أن البعض قد يستخدم أجهزة تبريد خفيفة في الحالات الاستثنائية، مثل ارتفاع الحرارة بشكل غير معتاد أو استقبال الضيوف، لكن غالبية السكان يعتمدون على التصميم الطبيعي للمباني.

ومن جهته، أوضح صالح، أحد القاطنين الذين يتنقلون بين غرداية والعاصمة الجزائر، أن: “رغم ارتفاع درجات الحرارة في الجنوب، إلا أن انخفاض نسبة الرطوبة يجعل مناخ المنطقة مريحاً أكثر من المدن الساحلية، وهو ما يعزز من جودة العيش هنا”.

وأما الدكتور أحمد نوح، مؤسس المشروع ورئيس جمعية “أميدول”، فقد أكد أن البداية لم تكن بدافع بيئي بالدرجة الأولى، بل اقتصادي: “اعتمدنا في البناء على مواد طبيعية محلية مثل الحجارة والجبس و”التمشمت”، وهي مادة جبسية مائلة إلى الرمادي تستخرج من طبقات سطحية، هذه المواد إلى جانب أنها رخيصة، فإنها أيضاً فعالة جداً في العزل الحراري والصوتي، وتسهم في تقليل الانبعاثات الحرارية”.

وأشار نوح إلى أن سمك الجدران يبلغ 45 سم، ما يساعد في امتصاص الحرارة صيفاً والرطوبة شتاءً، موضحاً أن الفارق بين درجات الحرارة داخل وخارج المنزل يصل إلى 9 درجات مئوية، ما يعزز الراحة الحرارية دون أي استهلاك للطاقة.

ولفت إلى أن سكان المدينة يتولّون تنظيف الأحياء بأنفسهم، وهو ما يعكس روح المسؤولية الجماعية، ويبرر محدودية عدد السكنات، قائلاً: “المدينة الصغيرة يسهل تسييرها والحفاظ على نظافتها”.

وبفضل هذه المقومات البيئية والاجتماعية، أصبحت “تافيلالت” نموذجاً يُحتذى به في الاستدامة الحضرية، ووجهة للباحثين والمهندسين المعماريين من مختلف أنحاء العالم، المهتمين بالبناء الذكي الذي يراعي البيئة والإنسان معاً.

الحكم على مشعوذ بالسجن لثلاث سنوات في الجزائر

اقرأ المزيد