05 ديسمبر 2025

صورة بنغازي في الذكرى الحادية عشرة لانطلاق عملية “الكرامة”، تنقل مشهداً للتناقض بين واقع الاستقرار في الشرق الليبي مقابل الاضطراب والفوضى في غربها، ما يفتح أسئلة تتجاوز شرعية حكومة طرابلس وتقدم واقعاً يحتاج لقراءة جديدة.

العروض العسكرية التي شهدتها مدينة “المشير خليفة حفتر العسكرية”، بحضور شخصيات رفيعة من روسيا، بيلاروسيا، تشاد، والنيجر، في وقت تغرق العاصمة طرابلس في صراعات داخلية وأزمة حكومية حادة، واقتتال بين الميليشيات، وتجاهد بشكل عبثي للظهور بمظهر الدولة، والتباين الصارخ بين شرق ليبيا وغربها يطرح سؤالاً وجودياً: هل كسبت “الكرامة” معركة الدولة بينما خسرتها “فبراير”؟

شرق ليبيا: مشهد خاص في زمن الفوضى

من قمينس إلى الكويفية، تظهر وحدات الجيش الوطني الليبي بزي موحد وانضباط عسكري، في استعراض يكشف عن انضباط وتطور في مؤسسة الجيش، حيث تضمنت الاحتفالات إطلاق اسم “المشير خليفة حفتر” على أكبر مدينة عسكرية في البلاد، وذلك في إشارة واضحة إلى أن الشرق الليبي أصبح مركز الثقل العسكري والسياسي.

لم يكتفِ المشير حفتر بمناسبة “الكرامة” الحديث عن “الجيش فقط”، بل طرح رؤية ونموذجاً للاستقرار عبر علاقة الدولة بالجيش؛ وذلك عبر تكامل سياسي داخل ليبيا، وهذه الصورة ترضي بشكل واضح الأمن الإقليمي الذي عبرت عنه طبيعة تمثيل الحضور في الاحتفالات التي ضمت نائب وزير الدفاع الروسي ووفود من النيجر وتشاد ومصر.

في المقابل كان المشهد في غرب ليبيا مختلف كلياً، فحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، ورغم الاعتراف الدولي، تعيش على وقع المساومات بين الكتائب المسلحة، فجهاز “دعم الاستقرار” لا يزال فاعلاً أكثر من أي مؤسسة حكومية، والتغييرات السياسية تعيش رهينة التفاهمات بين قادة المجموعات المسلحة لا بين صناديق الاقتراع أو المؤسسات الدستورية.

تعدد الميليشيات في طرابلس، والاختراقات الأمنية المتكررة، والفشل في توحيد المؤسسات، جميعها عوامل ساهمت في تقويض صورة الثورة التي انطلقت في 17 فبراير 2011، ورغم أن فبراير أسقطت نظاماً ديكتاتورياً، إلا أنها تركت فراغاً لم يُملأ إلا بالعنف والفوضى.

مفارقة “الاستقرار القاسي” مقابل “الحرية المنفلتة

النموذج في شرق ليبيا اهتم بشكل واضح في ترسيخ مركزية الدولة والحكم، ورغم الانتقادات الغربية، لكنه يقدم ما يفتقده الليبيون في غرب البلاد، فالاستقرار والأمن مكنا بنغازي من خلق حالة خاصة في ليبيا، وهو ما يعاكس واقع الغرب حيث يعيش السكان في ظل انقطاعات أمنية متكررة،فمن درنة إلى الكفرة، يعرف الناس من يحكمهم حتى في ظل الخلافات السياسية، أما في طرابلس، فالمشهد السياسي يبدو ضبابياً لدرجة لا يعرف فيها المواطن مَن المسؤول فعلياً.

في بنغازي، “الكرامة” ليست مجرد ذكرى، بل سردية راسخة، تُحتفى بها على أنها لحظة ولادة جديدة بعد فوضى ما بعد القذافي، بينما مرت ذكرى فبراير في طرابلس وكأنها عيد مؤجل لا مظاهر احتفال حقيقية، ولا إنجازات قابلة للتسويق.

رمزية الضيوف… ودلالات الحضور

كان لوجود وفد روسي رفيع في احتفالات بنغازي تأكيد على عمق العلاقة بين القيادة العامة والكرملين، فموسكو التي تسعى لبناء علاقات متوازنة مع إفريقيا، تنظر إلى الشرق الليبي كنموذج يمكن عبره التعامل مع الحالة السياسية للشمال الإفريقي عموماً، كما أن حضور ممثلي بيلاروسيا، النيجر، وتشاد، يكشف شبكة دعم إقليمي تتجاوز ما هو معلن.

في عالم العلاقات الدولية، الاحتفال العسكري ليس مجرد عرض، بل رسالة، وما قدمته بنغازي عبر عرضها العسكري كان واضحاً؛ فالشرق لديه حلفاء، ويملك أدوات الدولة، ويطمح إلى شرعية يتفاوض عليها من موقع قوة، وهو شريك في الأمن الإقليمي وليس مجرد “جغرافية” مفتوحة يمكن للغرب العبث بها.

هذا الأمر كان واضحاً في خطاب المشير حفتر فـ”ثورة الكرامة” كما وصفها لم تعد فقط عملية عسكرية، بل تحوّلت إلى سردية سياسية كاملة، وكانت كلمته أمام الضباط مليئة بمفردات “الهيبة”، “التضحية”، و”الجيش الوطني”، وهو خطاب تعبوي يُغذّي الشعور بالتماسك والانتماء في منطقة أنهكتها الحروب الأهلية.

ما لم يُقل: غياب مشروع جامع

نجحت ثورة “الكرامة” في بسط السيطرة على شرق وجنوب ليبيا، لكن المشروع الوطني الجامع مازال عالقاً في الغرب الليبي، وهو أسير المبادرات الدولية والضغوط من العواصم في أوروبا والولايات المتحدة، فالاستقرار في الشرق مازال ينتظر ظهور عقد اجتماعي جديد لإنهاء الانقسام، والتحرر من المصالح السياسية الضيقة التي تعبر عنها صورة حكومة طرابلس بأزماتها المتكررة.

بعد 11 عاماً على “الكرامة”، بات السؤال الملح: هل يمكن توحيد البلاد؟ وهل يكون الجيش حجر الزاوية لبناء دولة؟ أم أن التوازن القائم على أمراء الحرب باقٍ حتى إشعار آخر؟

الجواب يكمن في قدرة الليبيين على خلق صيغة وطنية تتجاوز الأزمات السياسية وصراع الشرعية، فالمطلوب هو دولة بقواعد جديدة لا تعيش رهينة الميليشيات.

بقلم: نضال الخضري

 

 

ليبيا.. ضبط 12 مهاجراً غير نظامي في درنة و بينهم مصاب بـ”الإيدز”

اقرأ المزيد