تمر هذه الأيام الذكرى الثالثة عشر للغزو العسكري من قبل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) لليبيا، أغنى دول إفريقيا نفطياً، الأمر الذي ترك وراءه دماراً واسعاً وبلداً ممزقاً ينتظر فرصة لمحاولة النهوض.
تدخل “الناتو” العسكري في أكبر دولة نفطية في إفريقيا، والذي بدأ في التاسع عشر من مارس العام 2011، جاء عبر ثغرة في قرار لمجلس الأمن يدعو إلى فرض حظر جوي واتخاذ إجراءات لحماية المدنيين، حيث كشفت الأحداث لاحقاً أن هذا التدخل كان معداً في وقت سابق للقرار.
بدأ قصف الناتو لليبيا في 19 مارس من العام 2011، واستمر على مدار سبعة اشهر متواصلة، قام خلاله الحلف بتنفيذ أكثر من 26 ألف طلعة جوية استهدفت البنى التحتية وعدد كبير من منشآت الدولة، حيث تم توثيق تدمير نحو 6 آلاف منشأة، بالإضافة إلى آلاف الضحايا والمصابين.
تدخل “الناتو”، الذي وصفه الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى بأنه “كارثي”، خلّف إلى جانب الدمار بلداً مقسماً بين الشرق والغرب، وصراعات عديدة لا تنتهي.
ويعاني الشطر الغربي لليبيا والذي يمتد من سبها وصولاً إلى العاصمة طرابلس، سلسلة من الصراعات الداخلية بين حكومة “الوفاق الوطني” المعترف بها دولياً وجماعات تتنافس معها على السيطرة والنفوذ، بالإضافة إلى فصائل موالية للمشير خليفة حفتر، ابن المؤسسة العسكرية اللييبة.
وتتنافس الأطراف السياسية في الشطر الغربي مع الفصائل المسلحة على السلطة والموارد الطبيعية، الأمر الذي لعب دوراً كبيراً في تعميق الانقسامات، وبالإضافة إلى تأثر بعض المناطق بالتشدد الديني ونمو نشاطات الإسلام السياسي، مما أدى إلى تصاعد التوترات الداخلية، في هذا الشطر الغني بالموارد التي تعرضت للنهب.
وتشهد المدن والمناطق في الجهة الغربية لليبيا نشاطاً كبيراً للعصابات المسلحة، حيث يعاني سكان تلك المناطق من انعدام للأمن وتزايد نشاط الجريمة المنظمة وحوادث السطو، نتيجة انشغال الأطراف السياسية بالصراع على السلطة وعدم اهتمامهم بالقضايا التي تخص المدنيين القابعين ضمن مناطق نفوذهم، وتركهم عرضة للفلتان الأمني.
كذلك، تعاني البنية التحتية في تلك المناطق، منذ ضربات الناتو، من دمار ضاعف الأعباء على القطاعين الصحي والتعليمي، وأدى إلى تدني الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي، إلى جانب انتشار الفقر بشكل كبير في الكثير من المناطق وارتفاع البطالة.
وفي المقابل، تقع المنطقة الشرقية من ليبيا تحت سلطة الحكومة المؤقتة ومقرها بنغازي، وتلقى دعما كاملاً من قائد الجيش الوطني الليبي اللواء خليفة حفتر الذي أعلن أن هدفه بسط الاستقرار ومساعدة الحكومة المؤقتة على العمل على تحسين واقع الحياة في المنطقة الشرقية.
وساهم الاهتمام بالبنى التحتية في تعزيز النمو الاقتصادي بشكل ملحوظ نتيجة للاستثمارات في القطاعات الأساسية مثل النفط والغاز، مما أدى إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
وتحظى الحكومة المؤقتة بدعم من دول وجهات سياسية عديدة، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا.
وتواصل الحكومة الشرقية جهودها لتعزيز العلاقات الدولية وكسب الدعم الدولي، وتسعى للمشاركة في المفاوضات الدولية من أجل إيجاد حل سياسي للصراع في ليبيا، كما تسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الشريكة لتطوير البنية التحتية وتعزيز الاستثمارات الأجنبية بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد.
ويرسم المشهد الحالي لليبيا بعد عقد ونيف على تدميرها، صورة لبلد ممزق، يرزح شطره الغربي تحت مجموعة من التراكمات التي خلفتها الحرب، سواء الخدمية منها أو الأمنية أو حتى المعيشية، في وقت يحاول فيه شطره الغربي النهوض بكامل البلاد، فهل تنجح هذه المساعي؟
في ذكرى وفاة عمر المختار.. أسد الصحراء الذي لم يركع