تعود وثائق ويكليكس إلى واجهة الحدث مع انتهاء قضية جوليان أسانج، كما تُظهر من جديد كل ما يرتبط بتلك الوثائق مع المسألة الليبية التي احتلت موقعا بارزاً في تسريباتها.
ورغم أن قضية تلك الوثائق تعود إلى عام 2010، ومنذ هذا التاريخ تحولت الكثير من الوقائع الخاصة بليبيا، لكن ما كشفه أسانج يوضح أن مسار الحدث الليبي خضع لتصورات سبقت أحداث “الثورة”، وكان لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، دورا أساسياً في الإطاحة بنظام الرئيس معمر القذافي.
والوثائق التي طرحها أسانج توضح الأبعاد الخفية للسياسة الأمريكية تجاه ليبيا والتداعيات التي نتجت عنها، وهي من جانب آخر تكشف الديناميكيات المؤسسة للأزمة الليبية.
صورة أولية للوثائق:
تغطي الوثائق العديد من المسائل المرتبطة بجوهر القضية الليبية، وبآلية التعامل الأمريكي مع “العقدة” الليبية التي سببت لها صداعاً داخل القارة الإفريقية، فالمسألة لم تكن شعوراً عدائياً تجاه الرئيس السابق معمر القذافي فقط إنما ضد منظومة سياسية؛ أرادت الولايات المتحدة أن تنهيها بالكامل ومرتبطة أساساً بسيادة الدول الإفريقية بشكل عام، وتتناول تلك الوثائق نقاطاً أساسية:
- العلاقات الأمريكية الليبية حيث تغطي الوثائق فترة زمنية من 2004 إلى 2011 وتشمل جوانب دبلوماسية وأمنية واقتصادية، بمشاركة مسؤولين كبار مثل هيلاري كلينتون.
- تحليل طبيعة نظام معمر القذافي، ففي تغطية الفترة من 2006 إلى 2011 كشفت الوثائق عن أسلوب الحكم والعلاقات الخارجية وخطط القذافي النووية.
- الثورة الليبية: تناولت الوثائق أيضاً الفترة الممتدة من 2010 إلى 2012، وسجلت الأحداث التي أدت إلى الثورة والحرب الأهلية.
- في الشأن الداخلي الليبي تناولت الوثائق الفترة من 2008 إلى 2011 تفاصيل لها علاقة بشخصية الرئيس القذافي وعائلته والسياسة الداخلية للرئيس وحالات ما يدعى بالفساد وغيرها من الأمور.
يشير المخطط السابق إلى أن 250 وثيقة تناولت العلاقات الأمريكية الليبية كانت موضوعاً مهماً جداً خلال الفترة من 2004 إلى 2011، حيث كانت هناك العديد من المراسلات والتفاصيل المتعلقة بالتعاون الدبلوماسي، الأمني، والاقتصادي بين البلدين، بينما احتل نظام معمر القذافي180 وثيقة، وهذا الاهتمام الكبير يعكس التركيز على فهم وتحليل العلاقات الدولية، لخطط القذافي النووية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وأساليب حكمه الاستبدادي، حسب تعبيرهم، بينما تناولت 120 وثيقة الثورة الليبية بينما اقتصرت على 100 وثيقة عن سوء الإدارة.
وبحسب الوثائق لعبت هيلاري كلينتون دوراً محورياً في إشعال فتيل الحرب على ليبيا، فهناك 40 وثيقة تناولت هيلاري كونها وزيرة الخارجية، وجعلت منها الأكثر ظهوراً وعكست دورها الكبير في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية تجاه ليبيا.
وكما أن هناك 35 وثيقة عن جون برينان المدير السابق لجهاز المخابرات المركزية الأمريكي، والتي تناولت دوره الكبير في قضايا الأمن القومي ومكافحة الإرهاب المتعلقة بليبيا.
وكشفت 32 وثيقة عن ما قام به جيفري فيلتمان عبر موقعه كمساعد لوزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ويوضح الرسم البياني التالي توزع أسماء المسؤولين الأمريكيين في وثائق أسانج المتعلقة بليبيا:
ملامح لوثائق وكيليكس:
أوضح أسانج في مقابلة مع الصحفي الأسترالي جون ريتشارد بيلجر، التي نُشرت في موقع MR Online بتاريخ 26 يونيو 2023، أن كلينتون كانت تسعى للإطاحة بالقذافي لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية داخلية، وكشف أن لدى ويكيليكس أكثر من 1700 رسالة من أصل 30 ألف رسالة لهيلاري كلينتون حول الملف الليبي توضح استخدام كلينتون وكيلها سيدني بلومنتال، الذي عمل كمستشار خاص للرئيس بيل كلينتون خلال فترة رئاسته من 1997 إلى 2001، ثم عمل كمستشار لهيلاري خلال حملتها الرئاسية في 2008، وشارك في مراسلات عبر بريدها الإلكتروني الخاص، ووجه الأحداث في ليبيا بما يخدم مصالحها.
وتشير الرسائل التي نشرتها ويكيليكس إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان في البداية معارضاً لفكرة التدخل العسكري في ليبيا، على عكس كلينتون التي كانت تدفع بقوة نحو هذا الاتجاه، ليس بهدف السيطرة على النفط الليبي الرخيص فقط، بل كانت تسعى لتغيير النظام الليبي لزيادة فرصها في الانتخابات الرئاسية، حيث توضح الوثيقة السرية بعنوان “دقات الساعة الليبية” الدور الرئيسي لكلينتون في تدمير الدولة الليبية، ما أدى إلى سقوط حوالي 40 ألف قتيل وانتشار التنظيمات المتطرفة مثل داعش، بالإضافة إلى تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
وكشفت الوثائق أن كلينتون كانت على علم بتمويل السعودية وقطر لتنظيم داعش، ما يضيف بعداً آخر لتعقيد السياسة الأمريكية في المنطقة، وأوضح أسانج عبر وثائق ويكيليكس أن الحرب تسببت في انتشار المتطرفين وتدفق السلاح إلى سوريا وليبيا والدول الإفريقية الأخرى، ما ساهم في زيادة الفوضى وعدم الاستقرار، وكشفت الوثائق عن تورط دول خليجية مثل قطر والإمارات في تأجيج الصراع وتمويل بعض الأطراف المتحاربة.
وذكر أسانج أن قطر دفعت 50 مليون دولار لأحد القيادات الليبية لسرقة منظومة الجيش الليبي، إضافة إلى ذلك، ساومت تركيا حلف الناتو على المشاركة في السوق الأوروبية المشتركة مقابل الاشتراك في الحرب الليبية.
وبينت الوثائق أيضاً أن بريطانيا تملك نحو 90 مليار جنيه إسترليني من أموال ليبيا ومنعت الجيش المصري من مساعدة القذافي، أما سويسرا فسرقت 9 ملايين يورو من الحسابات البنكية الليبية، وساعدها في ذلك شخص تابع للنظام وانشق بعد قسمة الأموال أثناء الأزمة الليبية لينضم إلى النظام الجديد في ليبيا ويصبح سفيراًفي بلجيكا.
وضمن وثائق ويكيليكس أيضاً أن ليبيا كانت تمتلك ثروات هائلة من النفط والغاز، وكانت هذه الموارد هي أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت القوى الأجنبية للتدخل في ليبيا، وسعى القذافي للحصول على الذهب مقابل النفط بدلاً من العملات الأجنبية، الأمر الذي أثار غضب القوى الغربية التي كانت تعتمد على النفط الليبي الرخيص.
وانتهت قضية جوليان أسانج في 25 يونيو 2024، حيث خرج مؤسس موقع ويكيليكس، من سجنه في المملكة المتحدة وغادر البلاد بعد اتفاق مع السلطات الأمريكية.
وبموجب هذا الاتفاق أقر أسانج بالذنب في تهمة واحدة تتعلق بانتهاك قانون التجسس الأميركي، ما سيسمح له بالعودة إلى وطنه أستراليا، لكن وثائقه حول ليبيا تشكل نافذة لفهم الأبعاد الخفية للصراعات الدولية، ودور القوى الكبرى في توجيه الأحداث بما يخدم مصالحها.
والرؤية المتكاملة عن أسباب وتداعيات الحروب والصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تبدأ وتنتهي باستراتيجيات واشنطن، ودورها في خلق التوترات التي تفرضها عبر شعارات مختلفة تحاول تغطية طبيعة الصراعات التي تخوضها من أجل كسب نفوذ عالمي.
بقلم نضال الخضري
زوجة مدير مشرحة جامعة هارفارد تعترف بتهمة التجارة بالأعضاء البشرية