رغم اجتماعاته المكوكية الأخيرة في ليبيا، تطفو على السطح خلافات بين المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي وأطراف الحوار هناك، وصلت إلى المطالبة بإنهاء مهمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا.
ورقدت البعثة الأممية بحسب مراقبين تحت تجربة “موت سريري”، رغم محاولة باتيلي إنعاشها بجرعات من الاجتماعات المكثفة مع سفراء القوى العالمية المؤثرة في طرابلس.
وظهرت ذروة الخلاف بشكل جلي بعد تجديد أسامة حماد، رئيس الحكومة الليبية، المكلفة من البرلمان رفضه التعامل مع المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، واعتبره شخصا غير مرحب به في مناطق سيطرة حكومته في شرق البلاد.
وأكد حماد في كلمة بالذكرى الـ13 للثورة التي أطاحت بأربعة عقود من حكم معمر القذافي، أن حكومته التي كلفها مجلس النواب الليبي في مقابل حكومة عبد الله الدبيبة، مستعدة للعمل مع من يخلف باتيلي الذي اتهمه بأنه ينتهج سياسات وممارسات خاطئة.
ومطالبة حماد هذه، سبقها بيان يوم الجمعة الماضي 16 فبراير، حث على إبعاد باتيلي عن الحوار الليبي، وإرسال مبعوث أممي جديد، وذلك بعد تصريح باتيلي في جلسة لمجلس الأمن حول ليبيا بأن الأطراف الفاعلة في البلاد غير مستعدة لتسوية الخلافات والتوجه إلى الانتخابات، حيث اتهم حماد البعثة الأممية بالانحياز لطرف على حساب طرف آخر في الحوار الليبي الداخلي ودعا المواطنين للتمسك في اختيار ممثليهم عبر انتخابات نزيهة.
تحول دراماتيكي تجاه البعثة الأممية في ليبيا
إن تصريحات حماد تدل على تحول دراماتيكي في موقف الأطراف الليبية تجاه البعثة الأممية. في شهر يناير الماضي التقى القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، بمكتبه في مقر القيادة العامة للجيش الوطني الليبي في مدينة بنغازي، بالمبعوث الأممي. وحينها أكد المشير خليفة حفتر له على أهمية دور البعثة الأممية، وعلى أهمية بذل المزيد من الجهود المتوازنة للدفع بالعملية السياسية للأمام، وأكد له أن القيادة العامة تدعم مساعي البعثة الأممية. كما أشاد باتيلي بالمكانة المتميزة للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي، ودوره الرئيسي في حفظ الأمن والاستقرار. لكن وكما يبدو فإن تصريحات باتيلي الأخيرة بتنصله من أقواله في بنغازي، أغضبت الشرق بشكل كبير.
يشير خبراء إلى أن حفتر وحكومة حماد حاولا إعطاء الفرصة الأخيرة للمبعوث الأممي للتحرك بحكمة في التعامل مع ملف الانتخابات وعدم الخروج عن تطلعات الليبيين بفرض قرارات من الخارج في أي عمل سياسي ضمن الحوار الوطني.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحذر فيها الليبيون المبعوث الأممي من التدخلات الخارجية في القرار الليبي. في أغسطس الماضي، قطع اجتماع ثلاثي بين حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الطريق أمام باتيلي ووجه له تحذيرا صريحا ودعاه إلى عدم اتخاذ أي خطوات منفردة في المسار السياسي الليبي، بعد أن طالب الأخير بتشكيل لجنة رفيعة المستوى، ورغم أن باتيلي ربط تشكيل اللجنة بعدم اتفاق مجلسي النواب والدولة على قاعدة دستورية وقوانين الانتخابات، إلا أن ذلك يؤشر على أن كلا من صالح وحفتر والمنفي وصلوا إلى قناعة بأن قوانين الانتخابات التي أعدتها لجنة 6+6 البرلمانية المشتركة وصلت إلى طريق مسدود.
ما وراء غزل طرابلس لباتيلي؟
وبالنسبة لحكومة الوحدة الوطنية، بقيادة، عبدالحميد الدبيبة، فإنها ترفض تشكيل حكومة جديدة، وتشدد على أنها لن تسلم السلطة إلا لحكومة معينة من برلمان منتخب، ومع هذه الشروط لا يمكن إجراء الانتخابات. وفي حال استخدام القوة ضد طرابلس لإجبارها على الانصياع، من شأن ذلك أن يؤدي إلى استئناف الاقتتال الداخلي الليبي من جديد. إن رؤية حكومة الوحدة الوطنية السياسية المعلنة تدعم جهود المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، لكن الموقف الحقيقي يتمحور حول ضرورة تغيير قانون الانتخابات، وهو معضلة قد توصل أطراف الحوار الليبي إلى طريق مسدود.
يظهر الدبيبة في لقاءاته مع ممثلي الدول المؤثرة موقفه الداعم لبعثة الأمم المتحدة، لا سيما خلال اجتماعاته مع سفراء الدول الغربية، لكن العديد من المراقبين يشككون في هذا الموقف المعلن، ويحاول الدبيبة الالتفاف على كل ما تقدمت به البعثة بطرح شروطه المتعلقة بتغيير القوانين كأولوية مهمة.
إن ما يقوم به باتيلي أصبح مهمة يصعب تحقيق أهدافها، التي صارت بمثابة سراب يصعب الوصول إليه. ويعمل باتيلي بتحركاته بحسب الخبراء السياسيين على تدوير الأزمة الليبية، بحيث تبقى الأمور على ما عليها لفترة طويلة. ويبدو أن محاولات بث الحياة في مبادرة باتيلي الميتة سريريا ستفشل، وباتت مجرد تحركات ضمن البعثات الأممية الروتينية.
مباحثات ليبية أوروبية لتعزيز التعاون في الهجرة ورفع الحظر عن الطيران