05 ديسمبر 2025

تتعامل النخب السياسية والإعلامية في ليبيا مع جلسة جديدة أمام مجلس الأمن الدولي في 21 أغسطس 2025، بوصفها منعطفا يُحدد ما إذا كانت البلاد على أعتاب مسار سياسي قابل للتنفيذ، أم أنها بصدد إعادة إنتاج أزمة الانتقال لصيغة أممية جديدة.

الجلسة ستشهد تقديم الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيتيه، إحاطتها المنتظرة، وبينما يُدرج الاجتماع ضمن سلسلة اللقاءات الدورية، فإن توقيته وملابساته يمنحانه طابعا استثنائيا، والتساؤل المحوري الذي يهيمن على المشهد الإعلامي والسياسي: هل ستطرح تيتيه خطة قادرة على كسر الجمود وتحديد مسار انتخابي واضح؟ أم أن الوثيقة ستظل حبيسة الخطاب الدبلوماسي، دون أثر تنفيذي ملموس؟

من “الحل الوطني” إلى انتظار الخارج

اللافت أن بعض الشخصيات الليبية التي لطالما رفعت شعار “الحل الليبي دون تدخل خارجي”، باتت اليوم تتعاطى مع المسار الدولي كأمر واقع، بل وتنتظره لتحديد وجهة المرحلة المقبلة، وهذا التحول، المؤقت أو الاستراتيجي، يثير شكوكا حول مدى تمسك النخب، خصوصا في شرق البلاد، بمبدأ السيادة الداخلية في صياغة القرار السياسي.

وبينما كان يُفترض أن تستند شرعية المسار السياسي إلى توافق داخلي، أضحى الأمر مرتبطا بما يصدر عن جنيف أو نيويورك، وبهذه الطريقة يتحول “الحل الليبي” من خيار سيادي إلى منحة خارجية تُحدّد شروطها في عواصم القرار الدولي.

خارطة طريق أم مجرد اختبار رمزي؟

وفق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تستند الخارطة المرتقبة إلى مخرجات مشاورات شملت أكثر من 10,000 مواطن ليبي، جمعت عبر لقاءات ميدانية واستطلاعات إلكترونية، ومن المقرر عرضها أمام مجلس الأمن يومي 20 و21 أغسطس.

تيتيه أكدت أن الخطة لا تزال قيد الصياغة، إلا أنها أشارت إلى محاور رئيسية تشمل الإصلاح الانتخابي، وتعديل الإطار الدستوري، وفصل المسارات التشريعية والرئاسية، وتشكيل حكومة موحدة، وهدف البعثة هو إنتاج خارطة طريق تحظى بمصادقة أممية.

من جهتها، أعلنت لجنة 6+6 المشتركة واللجنة الاستشارية التوصل إلى توافقات بشأن تعديل الإعلان الدستوري ومراجعة القوانين الانتخابية، في خطوة تهدف لتشكيل حكومة تحظى بشرعية مزدوجة، محليا ودوليا.

الإعلام المحلي: خارطة أم “إملاء”؟

وصفت وسائل إعلام ليبية 21 أغسطس بـ”اليوم الفاصل”، وتساءلت عن مدى قدرة المقترحات الأممية على احترام الإرادة الليبية، خاصة فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية والإطار الزمني للانتخابات، وانتقدت صحف من بنغازي ومصراتة استمرار الارتهان للمبادرات الخارجية، داعية إلى أن تكون الخطة المطروحة انعكاسا لمبدأ “الحل الليبي لليبيا”، لا بديلا عنه.

بعض الكُتّاب اعتبروا أن هذا الشعار، رغم قوته الرمزية، خسر بريقه بعد أن صار المشهد السياسي خاضعا لمعادلات دولية، ما أفقد الليبيين السيطرة الفعلية على مسارات الحل.

ماذا بعد 21 أغسطس؟

في حال احتوت الخارطة على خطوات تنظيمية واضحة، فإنها ستُمهد الطريق لمسار سياسي واقعي، يشمل إلغاء شرط التزامن بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتمهيد السبيل لإجراء الانتخابات البرلمانية أولا، ضمن جدول زمني متسلسل.

ويمكن دعم مسار الاستقرار إذا تتضمنت الخطة إطارا قانونيا صارما يضبط فترات الترشح، ويوزّع الصلاحيات، ويُلزم بمعاقبة المعرقلين، وفي هذا السيناريو، تُشكّل حكومة مؤقتة جديدة تشرف على المرحلة الانتقالية، ما يحوّل الوثيقة من مجرد نصّ سياسي إلى منصة عملية لإعادة تأسيس مؤسسات منتخبة، عوضا عن إعادة توزيع النفوذ داخل مشهد منقسم.

أما إذا جاءت الوثيقة دون آلية تنفيذ أو تفويض رسمي، فإنها سرعان ما ستتحوّل إلى أداة تفاوضية غير ملزمة، تُستهلك في جولات الحوار، وتُعدّل حسب مصالح الداخل والخارج، دون أن تحقق الأهداف الوطنية المعلنة.

دعم البعثة: توافق أم انحياز؟

في 27 يوليو، انتُخب محمد تكالة رئيسا جديدا للمجلس الأعلى للدولة، بواقع 59 صوتا من أصل 95 عضوا حضروا الجلسة، وهنأته البعثة الأممية، واعتبرت الجلسة تعبيرا عن “روح التوافق”، إلا أن الرئيس السابق، خالد المشري، طعن في شرعية الجلسة ونتائجها.

هذا الموقف أثار انتقادات، إذ اعتبر البعض أن دعم البعثة لتكالة يحمل شبهة الانحياز، ويمسّ توازن القوى داخل المؤسسة التشريعية، خصوصا في ظل التقاطعات بين جناح تكالة وسياسات حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بقيادة عبد الحميد الدبيبة.

شروط التحول من الوثيقة إلى التطبيق

لكي تُترجم الخارطة المنتظرة إلى واقع ملموس، لا بد أن تحظى باعتراف صريح من مجلس الأمن، عبر قرار يضفي عليها صفة الإلزام القانوني، لكن الاعتراف الدولي وحده لا يكفي؛ فالشرعية الفعلية تتطلب مشاركة جميع المكونات الليبية المؤثرة، من المجالس التشريعية إلى منظمات المجتمع المدني.

توصيات لجنة التوافق الأممية شددت على أهمية الشراكة الوطنية، ورفضت الحوار في ظل “فراغ المؤسسات”، داعية إلى خارطة تُصاغ بأصوات تمثل كل النسيج الليبي، لا أن تُفرض عليه.

كما أن النجاح مشروط بإطلاق آلية تنفيذ مؤقتة، بعيدة عن التجاذبات السياسية، تتولى الإشراف على التحول الانتخابي ضمن فترة زمنية محددة، دون منح امتيازات مسبقة لأي طرف، فحسب تقارير أممية، فإن الانقسام السياسي المستمر لن يُحل إلا عبر خطوات عملية تشرف عليها لجنة محايدة ذات صلاحيات واضحة.

هل يحمل 21 أغسطس مفتاح الحل؟

ليبيا أمام مفترق حقيقي، فإما أن تنتج جلسة 21 أغسطس خارطة طريق تُترجم إلى خطوات واقعية تُعيد البلاد إلى مسار الدولة، أو تبقى الوثيقة مجرّد حبر يُضاف إلى أرشيف المبادرات الدولية، ويُعاد تدويره في لقاءات مغلقة لا تُغيّر شيئا.

إن الاعتماد على خطط تُصاغ في الخارج يظل محفوفا بالمخاطر، في ظل أزمة شرعية داخلية متفاقمة، واستعادة مبدأ السيادة، وتكريس سلطة القرار الوطني داخل المؤسسات سيشكلان المخرج من الأزمة الليبية، ويبقى السؤال المشروع: هل كانت خارطة الطريق المنتظرة خطوة دبلوماسية عابرة؟ أم بداية تأسيس لمرحلة انتخابية نزيهة ومستقرة؟ الإجابة ستُكتب بما يتبقى من “خرائط واقعية” بعد 21 أغسطس، لا بما قيل تحت أضواء مجلس الأمن.

بقلم مازن بلال

ليبيا.. بليحق ينفي إلغاء ضريبة مبيعات النقد الأجنبي

اقرأ المزيد