جاء إعفاء وزير النفط والغاز الليبي في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، محمد عون، ليرسم مشهدا قاتما للخلافات السياسية في البلاد.
وأثار الإعفاء جدلا داخل ليبيا وعلى الساحة الدولية، فهو يأتي في ظل تصاعد التوترات والتنافس داخل المؤسسات السياسية الليبية، حيث أشارت تقارير غربية إلى أن استبدال عون بخليفة رجب عبد الصادق يحمل بصمات إبراهيم علي الدبيبة، ابن شقيق رئيس الحكومة، حيث تم الإعفاء لإزالة العقبات أمام الاتفاقيات الجديدة مع شركات النفط الأجنبية.
وظهر سيناريو الإعفاء على خلفية تحقيقات أجرتها هيئة حكومية حول احتيال قانوني وهدر للأموال العامة، وبعد وقت قصير من الإيقاف، تم تعيين بديل له من داخل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، وهي الهيئة التي كانت تختلف مع الوزارة في كثير من الأحيان حول السياسات النفطية، ونفى عون ارتكاب أي مخالفات وطالب بإجراء تحقيق سريع لتوضيح الأمور.
تصفية الصراعات
وجاءت الإقالة كجزء من إعادة رسم حسابات الدبيبة الذي يواجه تحديات معقدة، يلعب فيها عاملي النفط والسياسات النقدية دورا أساسيا، حيث وفر استبدال عون مجالاً أكبر للمناورة ورحيله سيعود بالفائدة على فرحات بن قدارة،رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، الذي كان في خلاف دائم مع الوزير المُقال.
والتعيينات التي حدثت عام 2022 داخل قطاع النفط الليبي كانت ضمن توازن حرج للأطراف المتصارعة، حيث تم تعيين إبراهيم الدبيبة في وزارة النفط وتنصيب فرحات بن قدارة في المؤسسة الوطنية وحصل أيضا خليفة رجب عبد الصادق، وزير النفط الجديد، على مقعد في مجلس إدارة المؤسسة.
ورغم أن عملية الإقالة بدت كخلاف ضمن التوازنات التي تحكم ليبيا عموما، لكنها في نفس الوقت تطرح تناقضات في العمق حول استراتيجية إدارة قطاع النفط الذي يعتبر قطاعا محوريا في السياسة العامة الليبية، فالوزير المقال عارض العديد من الصفقات النفطية، وعلى وجه الخصوص توقيع مذكرة مع تركيا في أكتوبر 2022 للتنقيب عن المواد الهيدروكربونية في المياه الليبية، حيث تعتقد حكومة الدبيبة أن تسهيل عقد الصفقات النفطية سيساعدها في التعامل مع الاضطرابات في هذا القطاع وخصوصا الإغلاقات المتكررة للموانئ النفطية أو لخطوط النقل نتيجة احتجاجات العاملين في هذا القطاع.
اضطرابات اقتصادية
انعكست مشاكل قطاع النفط على السياسات المالية الليبية، الأمر الذي أدى للارتفاع المفاجئ والقياسي لسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار الليبي، حيث قرر عقيلة صالح رئيس البرلمان الوطني الليبي المتمركز في شرق ليبيا، تخفيض قيمة الدينار عبر فرض ضريبة تبلغ 27% على مشتريات العملات الأجنبية، وأدت الضريبة الجديدة إلى إضعاف سعر الصرف فعليا من 4.80 دينار ليبي للدولار إلى ما بين 5.95 و6.15 دينار للدولار، كما تسبب عدم قيام مصرف ليبيا المركزي بتوفير العملة الصعبة بشكل كامل خلال سنة 2024 في رفع سعر الدولار في السوق السوداء، إثر عدم توفره من المصادر الرسمية.
وجاء قرار المصرف المركزي بإيقاف الاعتمادات ليعقد من مسألة إيداعات رجال الأعمال في المصارف، ووضع ليبيا في مشكلة سيولة لم تشهدها منذ سنوات، وهذه الأسباب جعلت الارتفاع في سعر صرف الدولار يتضاعف تزامنا مع الشكوك في أداء الحكومة.
وورغم قيام المركزي بتوفير حل بديل عبر فتح منظومة لتوفير ما قيمته 4 آلاف دولار، لكن هذا الأمر لم يستطع حل الأزمة بل ضاعفها حيث تصاعد الطلب على العملة الصعبة، في وقت لم يتمكن المركزي من الاستجابة لهذا الضغط ما ساهم في تقوية السوق السوداء أكثر.
وتكشف هذه الاضطرابات في السياسات المالية الصراع الخفي بين رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، حيث لم يتوقف هذا الصراع منذ أن ظهر للعلن في تشرين الثاني الماضي، وحمل تصاعد الخلافات إلى عزم الدبيبة لعزل الكبير عقب اتخاذ الأخير خطوات لترشيد الإنفاق الموسع للحكومة، لكن هذا الموقف يلقى معارضة من أغلب الأعضاء في مجلسي النواب والدولة، الذين يرفضون الإقدام على الخطوة حاليا في ظل ما يلقاه الكبير من دعم دولي، وهو ما كشفة موقع “أفريكا إنتلجنس” عن وساطة قادها وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، خلال زيارته إلى ليبيا في 7 فبراير الفائت للتقريب بين رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير.
ويبقى ارتفاع سعر صرف الدولار ليس المشكلة الوحيدة على مستوى الأزمة المالية، فهناك تأخر في دفع المرتبات بسبب نقص السيولة، وهو ما رفع من حجم الاتهامات بين حكومة طرابلس ومناطق شرق ليبيا، وهو ما جعل الدبيبة يخرج عن صمته موضحاً أن سبب كل هذا هو مجلس النواب الذي رفض بشكل متكرر اعتماد ميزانية لحكومته، ورغم الرخاء الذي تحاول حكومة الدبيبة إظهاره إلا أنها تمر بظروف صعبة اقتصاديا تزامنت مع إعلان منتسبي جهاز حرس المنشآت النفطية بمصفاة الزاوية اغلاق المصفاة ومجمعي مليتة ومصراتة النفطيين، للمطالبة بالحصول على حقوقهم من مرتبات وتسويات سابقة وتنفيذ قرار منحهم تأمينا صحيا مماثلا لما يحصل عليه الموظف في المؤسسة الوطنية للنفط.
إن دخل ليبيا من النفط خلال العامين الماضيين هو الأعلى منذ سنة 2013، وكان من المفترض نشوء تنمية بسبب أسعار النفط المرتفعة لكن الإرباك السياسي والتنافس بين الأطراف داخل حكومة الدبيبة ضيع تلك الفرصة، وجعل إمكانية رسم استراتيجيات مستقبلية أمرا صعبا مادامت الخلافات السياسية مستمرة.
بقلم نضال الخضري
دعوة لتفعيل قانون “يحقق استقراراً في الاقتصاد الليبي”