تُعدّ الموانئ البحرية في الشرق الليبي جزءاً حيوياً من البنية الاقتصادية والموقع الجغرافي الاستراتيجي لليبيا على البحر الأبيض المتوسط. فهذه الموانئ لا تُستخدم فقط في التجارة البحرية بل تعتبر بوابات اقتصادية تربط ليبيا بالعالم الخارجي، وتفتح آفاقاً واسعة للتنمية والاستثمار في منطقة الشرق التي تمتلك موارد طبيعية وبشرية هامة.
أهمية استراتيجية وجغرافية
الشرق الليبي يمتد على ساحل طويل على البحر الأبيض المتوسط، ما يجعل موانئه محاوراً رئيسية للتبادلات التجارية واللوجستية. ومع التوسع في الأسواق العالمية، يمثل ميناء بنغازي التجاري والموانئ النفطية الكبرى مثل البريقة والزوَيْتينة ورأس لانوف والسدرة جزءاً مهماً من منظومة الاقتصاد الوطني.
ميناء بنغازي: القلب النابض للتجارة الشرقية
يُعد ميناء بنغازي التجاري من أكبر الموانئ من حيث المساحة في ليبيا – إذ تبلغ مساحته حوالي 4.4 مليون متر مربع، ويحتوي على 18 رصيفاً تستقبل مختلف أنواع البضائع، بما في ذلك الحاويات والبضائع العامة. وتصل القدرة الاستيعابية السنوية للميناء إلى نحو 4 ملايين طن من البضائع.

هذا التطور يعكس أهمية الميناء في تأمين احتياجات السوق المحلية وخاصة في شرق البلاد الذي يعتمد على الاستيراد لسد الفجوة في السلع الأساسية والبضائع الصناعية.
الموانئ النفطية: بوابات الطاقة
إلى جانب الدور التجاري لميناء بنغازي، تبرز أهمية الموانئ النفطية في الشرق الليبي مثل:
ميناء البريقة النفطي الذي يشكل أحد أهم نقاط التصدير للنفط الخام والمشتقات.

ميناء الزويتينة ورأس لانوف والسدرة اللذان يُستخدمان في شحن النفط الخام إلى الأسواق العالمية.

هذه الموانئ تمثل ركيزة أساسية لإيرادات الدولة الليبية، حيث يعتمد اقتصاد البلاد بشكل كبير على صادرات النفط. وتشكل حركة الطاقة عبر هذه الموانئ عادة معظم صادرات البلاد، ما يوفر موارد مالية مهمة للخزانة العامة.
العمل والتحديث رغم التحديات
رغم التحديات الأمنية والسياسية في ليبيا منذ 2011، فإن إدارة وتشغيل الموانئ في الشرق يحافظ على استمرارية النشاط وتحسين الخدمات اللوجستية. تعمل مصلحة الموانئ والنقل البحري الليبية على تطوير هذه الموانئ ورفع مستوى الخدمات بما يتوافق مع المعايير الدولية، بهدف زيادة كفاءة التشغيل وجذب الاستثمارات.

فرص وآفاق تنموية مستقبلية
مع انتهاء بعض فترات التوتر واستقرار عمليات النقل البحري، تتجه الأنظار نحو إمكانية تحديث البنية التحتية للموانئ، وإدخال نظم تقنية حديثة لتسهيل إجراءات التخليص الجمركي، وربط نشاط الموانئ بالمناطق الاقتصادية والسلاسل التجارية الإقليمية، ما يعزز مكانة الشرق الليبي كـحلقة محورية في حركة التجارة عبر البحر الأبيض المتوسط.

موانئ الغرب الليبي: ترهل إداري وفساد يعرقل دورها الاقتصادي
في حين تتقدم الموانئ في الشرق الليبي كرافد اقتصادي مهم رغم التحديات، تواجه الموانئ في الغرب الليبي سلسلة من المشكلات البنيوية والإدارية التي أثرت بشكل واضح على فاعلية هذه الموانئ وقدرتها على جذب النشاط التجاري والاستثماري.
1. ضعف البنية التحتية وارتفاع البيروقراطية
من أبرز التحديات التي تواجه الموانئ في الغرب الليبي ـ وخصوصاً ميناء طرابلس ـ هو ضعف البنية التحتية وتراجع حالة الميناء مقارنة بمنافسيه المحليين. فقد أشار تقرير سابق إلى أن ميناء طرابلس يعاني من:
حاجة ملحة إلى الاستثمار في المعدات وتحديث الأرصفة والرافعات.
بطء في إجراءات التخليص الجمركي وإدارة الحاويات بسبب البيروقراطية.
ارتفاع تكاليف النقل الداخلي للبضائع داخل المدينة مقارنة بنقلها إلى الميناء ذاته نتيجة احتكار بعض السائقين، ما يجعل من العمل التجاري عبر طرابلس أقل تنافسية.
في النهاية، أدى ذلك إلى خسارة جزء من الأعمال لصالح موانئ أخرى في الغرب مثل مصراتة أو حتى إلى موانئ خارجية.
2. الفساد وانعدام الشفافية في العمليات
تشير عدة تقارير واستقصاءات نشرت مؤخراً إلى أن هناك ممارسات فساد وعدم مساءلة داخل المرافق اللوجستية في الغرب الليبي:
التحقيقات تشير إلى استخدام البنية التحتية في مصراتة وشحن المعادن المسروقة والبضائع غير القانونية إلى وجهات خارجية، ما يعكس هشاشة النظام الرقابي في الميناء.
هذه الممارسات تستفيد من غياب آليات فعّالة للرقابة الجمركية والمالية، وتُستخدم الموانئ كمنصات لعبور البضائع غير المشروعة.
3. التهريب والتجارة غير الرسمية عبر الموانئ الغربية
تشير تقارير دولية إلى أن مجموعة من الموانئ والطرق البحرية في الغرب الليبي تُستخدم كطرق لتهريب الوقود والبضائع، وهو ما يعكس ضعف الرقابة الحكومية ويُضعف الثقة في الأداء الرسمي للموانئ:

تقارير دولية توثق حالات تهريب الوقود عبر مناطق مثل الزاوية وزوارة وصبراتة وخمس، حيث تنشط شبكات التهريب البحرية مستغِلة الغموض في آليات الرقابة.
هذه الأنشطة لا تُدرج رسمياً ضمن الحسابات الاقتصادية للدولة، وتساهم في إهدار موارد وطنية وتولّد أنشطة اقتصادية موازية غير قانونية تضر بالسوق الوطنية.
خاص – أخبار شمال إفريقيا
ليبيا على حافة أزمة غذائية ودوائية