11 يناير 2025

في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية، تحدثت وزيرة الخارجية الليبية المعزولة نجلاء المنقوش لأول مرة عن اجتماعها مع وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك إيلي كوهين في روما صيف عام 2023، وأشعل اللقاء نقاشات حول مستقبل ليبيا السياسي ونوايا رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة.

وأثار حديث المنقوش حول تصرفاتها وبأنها جاءت بناءعلى أوامر رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة؛جملة من الأسئلة مرتبطة بطبيعة الآلية السياسية التي يتبعها الدبيبة ودوافعه وعلاقاته المحتملة بإسرائيل، ولكن السؤال الأساسي هو لماذا اختارت المنقوش التحدث الآن، بعد أشهر من الصمت؟ وهلما صرحت به يرتبط بالمسار السياسي في ليبيا؟

اجتماع روما: عمل متعمد أم خطأ سياسي؟

كانت خلاصة مقابلة المنقوش هو تأكيدها أن الاجتماع مع كوهين لم يكن خطوة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بل كان حواراً استراتيجياً حول الأمن في البحر الأبيض المتوسط وبموافقة الدبيبة، حيث بينت أنها تسلمت جدول أعمال وطُلب منها التعامل مع الطرف الإسرائيلي.

وجاءت ردود الفعل عنيفة على هذا الاجتماع، حيث اندلعت الاحتجاجات العامة في جميع أنحاء ليبيا، الأمر الذي أدى إلى فصلها والتحقيق الرسمي معها الذي تم تناقله حينها، لكن مسألة التحقيق والمحاسبة لم تحدث وذلك حسبما قالته المنقوش في حديثها لقناة الجزيرة.

وظهر اجتماع المنقوش مع الجانب الإسرائيلي على أنه “زلزال سياسي”، وعلى الرغم من نفي الدبيبة صلته بهذا الحدث لكن الوزيرة الليبية السابقة تصر على أنه دبر اللقاء.

ويطرح هذا الأمر مؤشراً أساسياً على أن اللقاء لم يكن مغامرة دبلوماسية معزولة، بل استمرار لعلاقة أعمق بين الدبيبة والقوى الأجنبية، بما في ذلك الموساد الإسرائيلي، فرواية الدبيبة اتسمت بالتناقضات، فهو بداية تملص من المسؤولية عن الاجتماع،  ووصف المنقوش بأنها دبلوماسية مارقة، لكن شهادة المنقوش تشير إلى محاولة مدروسة من جانب الدبيبة لاستخدامها ككبش فداء لصرف الانتباه عن الغضب العام، فهو أراد التخفيف من التداعيات وتغطية أجندة سياسية كاملة.

ويحمل تكرار إنكار الدبيبة ارتباطه باتصالات مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وخاصة الموساد الإسرائيلي شكوكاً خاصة، فرغم عدم وجود ما يثبت مثل هذه الاتصالات؛ لكنها تتوافق مع الصراعات الجيوسياسية الأوسع في ليبيا، حيث غالباً ما تطمس المعاملات السرية الخطوط الفاصلة بين المصالح الوطنية والمكاسب الشخصية.

لماذا الآن؟

إن قرار المنقوش بالصمت لأكثر من عام قبل أن تتحدث عن التفاصيل التي أحاطت اجتماعها مع الجانب الإسرائيلي يرتبط بحكومة الدبيبة حالياً التي تتعرض لانتقادات متزايدة بسبب تعاملها مع الأزمات العديدة في ليبيا، ابتداءً من عدم الاستقرار الاقتصادي إلى الصراعات غير المحلولة.

وما كشفت عنه المنقوش جاء في وقت يتزايد فيه الاستياء العام، وتصريحاتها لا يمكن فصلها عن رغبة بعضالجهات الغربية لتقويض سلطة الدبيبة ن خلال الكشف عن تورطه في الاجتماع الإسرائيلي، ربما تحاول هذه الجهات إعادة تشكيل المشهد السياسي الليبي بطريقة أكثر ملاءمة لمصالحها.

وتسعى المنقوش أيضاً إلى تبرئة اسمها، وباعتبارها أول وزيرة خارجية في ليبيا، فإن مسيرتها المهنية تعرضت لاتهامات بالخيانة. وهي عبر لقائها مع قناة الجزيرة قامت بتصوير نفسها على أنها كانت تنفذ توجيهات الدبيبة الذي يعمل ضمن خطة سياسية كبيرة، فهي وفق ما أفادت به كانت ضحية للمكائد السياسية وليست مهندسة سياسات مثيرة للجدل.

تأثير غربي أم تنافس داخلي؟

إن السؤال حول من سيستفيد من تصريحات المنقوش أمر بالغ الأهمية، فما قالته يبرئ الدول الغربية من المشاركة المباشرة في الاجتماع، ويلقي اللوم على الدبيبة، وتتماشى روايتها مع مصالح بعض الدول لأنهاتصرف الانتباه عن الانتقادات الموجهة للجهات الخارجية حول دورها في عملية بناء الدولة الهشة في ليبيا، أما في داخل ليبيا فإن المعارضون لسياسة الدبيبة سيعتبرون شهادة المنقوش فرصة في الصراع السياسي القائم، ولتآكل شرعيته.

عملياً، فإن تصريحات المنقوش تعزز الرواية المتداولة إلى صلات محتملة بين الدبيبة ومجموعات بمجتمعات يهودية لها روابط تاريخية بليبيا، ورغم أن هذا الادعاء غير مؤكد لكنه يطفو على سطح النقاشات السياسية التي تتحدث عن الدبيبة كعميل سري للموساد يعمل على تسهيل المصالح الاستراتيجية لإسرائيل في شمال إفريقيا، وبغض النظر عن صحة هذه الرواية لكنها تعكس انعدام الثقة العميق بين الليبيين تجاه النخب السياسية والقوى الأجنبية، كما أنها تؤكد على المخاطر العالية التي ينطوي عليها اجتماع بأي طرف إسرائيلي، حيث يعتبر الكثيرون أن مثل هذا الأمر هو تهديد وجودي لسيادة ليبيا وتضامنها مع القضية الفلسطينية.

ما هو التالي بالنسبة للدبيبة وليبيا؟

نظم محتجون مظاهرة بالعاصمة الليبية طرابلس انطلقت من منطقة سوق الجمعة بمشاركة العشرات أغلبهم شباب حملوا الأعلام الفلسطينية وأطلقوا هتافات ضد الدبيبة، ووصلت الحشود إلى مقر استراحة الدبيبة بطريق الشط، في محاولة لاقتحامها، ما دفع قوات جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة إلى الانتشار في المكان والسيطرة على الوضع.

وشهدت مدن أخرى في الغرب الليبي مثل مصراتة والزاوية وبني وليد مظاهرات مماثلة ومتزامنة.

وهزت تصريحات المنقوش أسس حكومة الدبيبة، وفتحت احتمالات حول سقوط هذه الحكومة، ففي حال تطور الرأي العام باتجاه مصداقية روايتها فإن هذا الأمر سيؤدي إلى إشعال فتيل الاحتجاجات والمطالبات باستقالة الدبيبة،ما يزيد من زعزعة استقرار الحكومة الهشة بالفعل، في المقابل فإن الحكومات الغربية التي كانت تدعم الدبيبة بحذر، ربما تعيد النظر في موقفها إذا استمر تآكل مصداقيته، وهذا الأمر سيؤدي إلى التحول نحو شخصيات قيادية بديلة.

إن مقابلة المنقوش مع قناة الجزيرة تمثل لحظة محورية في التاريخ السياسي المضطرب لليبيا، فاتهاماتها لا تشير فقط إلى تورط الدبيبة في فضيحة ذات آثار محلية ودولية عميقة، ولكنها تفتح أيضاً أسئلة أوسع حول سيادة ليبيا ونفوذها الأجنبي ومسارها نحو الاستقرار.

وسواء كانت تصريحات المنقوش جزءاً من لعبة سياسية أكبر أو محاولة حقيقية لتصحيح الأمور، فإنها تسلط الضوء على الانقسامات العميقة داخل النظام السياسي الليبي، وبالنسبة للدبيبة أصبحت المخاطر التي تحيط به أعلى بكثير، ففي حين يتسارع الجدل في الشارع الليبي حول تصريحات المنقوش تواجه حكومة طرابلس ضغوطاً متزايدة لمعالجة المظالم القديمة ورسم مسار نحو المساءلة والإصلاح الحقيقيين.

بقلم: نضال الخضري

فوضى في الدوري الليبي.. هجوم وحرق لحافلة نادي الخمس الرياضي

اقرأ المزيد