أثار الإعلان عن اعتزام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تعيين هانا سروا تيتيه كمبعوثة خاصة عاشرة إلى ليبيا ردود فعل محدودة ولكنها حادة في الدوائر السياسية والإعلامية الليبية، فالقرار الذي جاء ليشغل منصباً شهد تغييراً متكرراً في الوجوه دون تحقيق تقدم ملموس، قوبل بالتشكيك والنقد.
هانا تيتيه، الدبلوماسية الغانية المحنكة، تأتي بخلفية قوية في الساحة الدولية والقانونية، شغلت منصب وزيرة للخارجية والتكامل الإقليمي في غانا، فهي ولدت في غانا عام 1967، ودرست القانون في جامعة غانا وشرعت في مهنة تشابكت فيها الخدمة الوطنية مع الالتزامات الدولية.
وشغلت تيتيه العديد من المناصب البارزة، بما في ذلك العمل كوزيرة للخارجية والتكامل الإقليمي في غانا (2013-2017) وقيادة حكومة البلاد لفترة وجيزة كرئيسة بالإنابة في عام 2014، وتمتد مشاركتها الدبلوماسية الدولية إلى ما هو أبعد من غانا، فبين عامي 2018 و2020، عملت كممثلة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى الاتحاد الإفريقي، وعملت مؤخراً كمبعوثة خاصة للأمم المتحدة إلى القرن الإفريقي (2022-2024)، لكن هذه الخبرة ستخضع لاختبار وسط مشهد سياسي ممزق في ليبيا.
ومع ذلك، فإن التحديات في ليبيا تفوق بكثير تعقيدات النزاعات السابقة التي واجهتها تيتيه، فالوضع يعاني من انقسام سياسي حاد ووجود حكومتين متنافستين، ويحتاج إلى مقاربات دبلوماسية محكمة وفهم عميق للديناميكيات المحلية، وأظهرت الاحتجاجات في شوارع طرابلس التي طالبت بتعيين شخص آخر، أن مهمة تيتة معقدة وصعبة، فهناك فوارق كبيرة على مستوى الاحتكاك بين السياسات الدولية وتطلعات الشعب الليبي.
خيبة أمل ليبيا في الأمم المتحدة
تميزت حقبة ما بعد القذافي في ليبيا بالتدخلات الدولية الفاشلة، بما في ذلك النشاط المتكرر لمبعوثي الأمم المتحدة الذين حاولوا إنتاج حلول مستدامة، ويعكس رد الفعل الخافت من جانب وسائل الإعلام الليبية على تعيين تيتيه خيبة أمل من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حيث تعرضت ستيفاني خوري بشكل متكرر لانتقادات بسبب تحيزها الملحوظ، وعدم كفاءتها، وعدم قدرتها على التكيف مع الديناميكيات الاجتماعية والسياسية الخاصة في ليبيا.
وانتقاد تعيين تيتيه هو نتيجة لسوء فهم الثقافة الليبية حسب عدد من المحللين والمراقبين، وهو ما أدى لعدم إظهار الجدية في حل الأزمة، واختيار المبعوثة الحالية فيه احتمال إطالة الجمود، وهذا الأمر يحتاج إلى حل يظهر جهد الليبيين لحل أزمتهم دون انتظار منقذ خارجي، وتجلى هذا الأمر في تكرار مجلس النواب الليبي في بيان شديد اللهجة رفض فيه دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا كوسيط، حيث اتهمها البيان بإعادة تدوير الاستراتيجيات الفاشلة وحث الليبيين على التركيز على الانتخابات الوطنية والإصلاح الدستوري والمصالحة باعتبارها المسارات الوحيدة القابلة للتطبيق للمضي قدماً.
دور ستيفاني خوري كنائبة للمبعوث الأممي في ليبيا والاعتراضات عليها
ستيفاني خوري، الدبلوماسية الأمريكية من أصول لبنانية ، شغلت منصب نائبة المبعوث الأممي إلى ليبيا، وكان دورها محوريا في عدد من الملفات الحساسة، وفي ليبيا ركزت بشكل أساسي على الملفات المتعلقة بالمصالحة الوطنية، ودعم الحوار بين الأطراف المتنازعة، وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، ورغم أن عملها أثار إعجاب بعض الأوساط الدولية، إلا أنها واجهت اعتراضات شديدة من أطراف ليبية مختلفة:
- اتهامات بالتحيز: اتهمت بعض الأطراف السياسية الليبية خوري بالتحيز لأطراف دون أخرى، خاصة فيما يتعلق بدعمها لبعض المبادرات السياسية التي رأى البعض أنها تعزز مواقف فصائل معينة على حساب أخرى.
- الافتقار للفهم العميق للديناميكيات القبلية: يرى منتقدو خوري أنها لم تظهر فهماً كافياً للتركيبة القبلية والاجتماعية في ليبيا، وهو عامل أساسي لفهم الأزمة والعمل على حلها بشكل مستدام.
- تهميش الجهود المحلية: وُجهت انتقادات إلى خوري بسبب اعتمادها المفرط على المبادرات الدولية دون إعطاء الأولوية للحلول المحلية أو التعاون الوثيق مع القيادات الليبية.
- تصاعد الاحتجاجات الشعبية: تعرض وجود خوري في بعثة الأمم المتحدة إلى انتقادات علنية من خلال احتجاجات في طرابلس ومدن أخرى، حيث عبر المحتجون عن رفضهم لتأثيرها على القرارات الأممية المتعلقة بليبيا.
دورها في قيادة المرحلة الانتقالية
مع تعيين هانا تيتيه كمبعوثة خاصة جديدة، تزداد التكهنات حول الدور المستقبلي لخوري داخل البعثة الأممية، فهناك من يرى أنها ستواصل لعب دور رئيسي في صياغة السياسات، بينما يشير آخرون إلى أن التحديات والاعتراضات ربما تدفع الأمم المتحدة إلى إعادة تقييم أدوار بعض الأعضاء في البعثة، ويرى بعض النقاد أن تيتيه مجرد واجهة لخوري التي ستبقى لاعباً رئيسياً خلف الكواليس في القرارات التي تتخذها الأمم المتحدة.
وفي تطور متصل، نوقشت المبادرات الدولية بين القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا، جيريمي برنت، وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، وتمثل هذه المناقشات جزءاً من الجهود المستمرة للتوصل إلى حلول مستدامة، لكن هذه الجهود لم تجد صدىً كبيراً في النقاشات العامة.
توقعات مدروسة
رغم مؤهلاتها فإن تعيين تيتيه لم يبعث تفاؤلاً كبيراً، فالسياسيون الليبيون طرحوا الكثير من الأسئلة حول ما إذا كان التغيير في القيادة في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا سيترجم إلى تقدم ملموس، فهي المبعوث العاشر منذ عام 2011، وورثت تيتيه كماً من الوعود المكسورة وهو ما سيجعل مهمتها صعبة لأبعد الحدود، لكن بعض التوقعات القليلة تعمل لصالح تيتة، ورغم انخفاض سقف الآمال فإن بعض السياسيين لديهم الرغبة بإتاحة الفرصة لرسم مسار جديد، والتركيز على الانتصارات الصغيرة ولكن الملموسة التي يمكن أن تعيد الثقة تدريجياً في دور الأمم المتحدة.
إن نجاح المبعوثة الجديدة يتوقف على تبنيها لنهج عملي ويتعامل بحساسية مع الثقافية الاجتماعية، فإجراء انتخابات حرة ونزيهة تبدو أولوية ثابتة للطيف السياسي الليبي، وهو ما سيكون التحدي الرئيس للمبعوثة الجديدة، عبر العمل على خلق بيئة مواتية للانتخابات، مع التأكيد على الملكية المحلية للعملية، وتتطلب هذه الأولوية تعزيز المصالحة لاستعادة الوحدة في ليبيا، وربما يتعين على تيتيه التعاون مع زعماء القبائل وجماعات المجتمع المدني والمنظمات الشعبية لتعزيز الحوار والتعافي.
إن معالجة التصور السائد بأن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أداة للتأثير الأجنبي ستكون بالغة الأهمية، وتأكيد سيادة ليبيا أمر أساسي، كما يمكن لتيتيه أن تلعب دوراً في الدعوة إلى التوزيع العادل للموارد، وهو مطلب أساسي لكثير من الليبيين.
وبالنسبة لتيتيه، فإن الطريق إلى الأمام سوف يتطلب أكثر من الدبلوماسية، لأنه يتطلب التعاطف والمثابرة والالتزام الثابت بسيادة ليبيا، وما زالت قدرتها على كسر حلقة التدخلات الفاشلة والمساعدة في تمهيد الطريق لحل بقيادة ليبية غير واضحة، فالشعب الليبي فقد الأمل بالأدوار الدولية المتعددة، وسيتعين على تيتيه أن تتحرك بحذر، لأن نجاحها أو فشلها لن يشكل مستقبل ليبيا فحسب، بل سيؤثر أيضاً على مصداقية الأمم المتحدة في المنطقة.
بقلم نضال الخضري
كوريا الشمالية تجري اختبارا لأسلحة نووية ردا على تدريبات عسكرية مشتركة “معادية”