أصبح انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في ليبيا معاناة جديدة تضاف إلى حياة السكان إلى جانب معاناتهم جراء الانقسام السياسي الذي يؤخر عودة الحياة الطبيعية للبلاد، حيث أن ذرائع الحكومة في انقطاع الكهرباء لتوقف تدفق النفط يؤكد وجود سوء إدارة لمشاريع البنية التحتية.
وتعاني مدن مثل بنغازي وطرابلس ومناطق أخرى من انقطاع الكهرباء، وهذه الأزمة ليست جديدة بل امتدت طوال السنوات الماضية، ويتفاقم الوضع خلال أشهر الصيف الحارة.
وفي العديد من أحياء المدن يضطر المواطنون إلى استخدام مولدات منزلية لتزويد منازلهم ومشاريعهم بالطاقة، وعلى الرغم من الوعود العديدة من الحكومة والسلطات فإن أزمة الكهرباء لا تزال الأزمة مستمرة.
وظهر العجز في الطاقة الكهربائية في الغرب الليبي نتيجة توقف بعض المشاريع الكبرى مثل محطة غرب طرابلس، كما أن الفساد وسوء التشغيل في القطاع أعاقا تنفيذ الحلول الموعودة من قبل الحكومة.
ويكمن التحدي الأساسي في إمدادات الوقود ونقل الطاقة التي تأتي أساسا من الشرق عبر مصفاة الزاوية، وهناك مشروع محطة “ملودة” التي كان من المقرر أن تنتج 100 ميغاواط، لكن المشروع توقف وتم التعاقد على توريد ما بين 80 إلى 120 ميغاواط من مصر للمساعدة في تغطية العجز الكهربائي في الشرق الليبي.
وتشير التقارير إلى أن مسألة توريد الطاقة إلى الشرق الليبي مرتبطة بـ”مشكلات لوجستية وإدارية”. فالشرق الليبي الذي يعتمد في الغالب على إمدادات الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية، يعاني من تأخيرات أو نقص في التوريد لأسباب تتعلق بالبنية التحتية وفي كثير من الأحيان بالنزاعات السياسية، فالتوترات تدفع حكومة طرابلس إلى عدم التعامل بتوازن في عمليات التوزيع والإمدادات.
دور نقص الوقود في انقطاعات الكهرباء
تركز العديد من التصريحات على أن أحد الأسباب الرئيسية وراء انقطاعات الكهرباء في ليبيا هو نقص الوقود، ورغم أن إنتاج النفط حيويا لاقتصاد ليبيا، لكنه ليس السبب المباشر لنقص الكهرباء، فما يحدث أن انقطاعات التيار الكهربائي يرجع في غالبيته إلى طبيعة البنية التحتية لمرافق الكهرباء.
وتجد الشركة العامة للكهرباء في ليبيا نفسها في وضع صعب، فهي محاصرة بين انقسامات البلاد السياسية وأزمة الوقود المستمرة.
واعترف مهندسو الشركة بأن المشاكل الفنية مثل الكابلات التالفة أو المحولات تسبب انقطاعات في الكهرباء، لكن الواضح أن تركيز حكومة طرابلس منصب في تأمين الطاقة لمناطقها خصوصا أن تعتمد على إرضاء مراكز القوة داخل المدينة وضواحيها، وهو ما يحرم الشرق من حصته من الإمدادات المقررة.
وفي طرابلس ومدن أخرى، يشكو السكان بشكل متكرر من انقطاعات الكهرباء التي تستمر من بضع ساعات إلى عدة أيام، وعلى سبيل المثال، في منطقة عين زارة بطرابلس، حدثت اضطرابات في الكهرباء بسبب مشاريع بناء تتداخل مع خطوط الكهرباء.
وكما تواجه مدن مثل زليتن وطبرق انقطاعات متكررة، خاصة خلال الصيف عندما تزداد الحاجة إلى الكهرباء بسبب استخدام مكيفات الهواء، حيث أصبحت العلاقة بين نقص الوقود وتوليد الكهرباء واضحة في هذه السيناريوهات، لكنه يعود بالدرجة الأولى إلى عدم الكفاءة في إدارة الموارد وهشاشة البنية التحتية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن نقص التخطيط السليم و عدم جودة شبكة الكهرباء في البلاد يفاقم المشكلة، حيث يبين المهندسون العاملون في هذا الأمر بأن غياب الخرائط الكهربائية التفصيلية يعقد جهود تجنب تلف خطوط الطاقة أثناء أعمال البناء والصيانة،كما يؤدي نقص التنسيق والتواصل بين قطاعات الحكومة المختلفة إلى تفاقم المشكلة.
استجابة الحكومة وإحباط الجمهور
منذ سقوط حكم معمر القذافي أصبحت أزمة الكهرباء مزمنة، ورغم بعض المحاولات خلال السنوات الماضية لكن المعطيات ماتزال دون المستوى المطلوب لاحتياجات المواطنين، ففي أغسطس 2022، أفادت الشركة العامة للكهرباء في ليبيا (GECOL) بوجود عجز قدره 3200 ميغاواط في شهر يوليو، مع تراوح طاقة الإنتاج بين 5100 و5300 ميغاواط والطلب عند 8480 ميغاواط.
وكانت الشركة قامت في يونيو 2022، بربط محول الطاقة للوحدة الأولى من مشروع محطة الطاقة السريعة في مصراتة، قبل ربطها بالشبكة الوطنية في وقت لاحق من ذلك الشهر، وتم تصميم الوحدة لتوفير 325 ميغاواط من السعة الإضافية للشبكة الوطنية، وبدأت الوحدة الثانية في العمل في يوليو، مضيفة 325 ميغاواط آخرين من السعة المركبة.
وفي مارس 2023، أعلنت الشركة أن إجمالي السعة المركبة للتوليد في البلاد ارتفع إلى 8200 ميغاواط، متجاوزا الذروة السابقة البالغة 6000 ميغاواط، حيث تتوقع الشركة أن يزداد الحمل الذروي في ليبيا إلى 14,834 ميغاواط بحلول عام 2025 وإلى 21,669 ميغاواط بحلول عام 2030، وتساهم محطات الطاقة الحرارية المركبة في مصراتة (650 ميغاواط) وطرابلس (671 ميغاواط) في زيادة طاقة التوليد.
وجاءت هذه الزيادة التي لم تكن كافية بعد أزمة حادة قبل عام 2020، وذلك مع إعلان الشركة العامة للكهرباء استرجاع حوالي 10% من تكاليف التشغيل الخاصة، لكنها لم تتمكن من صيانة محطات الطاقة الوطنية بشكل كاف.
وفي عام 2021، انخفض إجمالي الطاقة المولدة في ذروة الصيف من 5,331 ميغاواط في يونيو 2018 إلى 3,680 ميغاواط في سبتمبر 2020، أي بانخفاض قدره 1,651 ميغاواط أو 31%، أو أكثر من 15% سنويا.
وخلال العام الجاري قامت الحكومة في شرق ليبيا ببعض الجهود لمعالجة الانقطاعات المستمرة، وكمثال واضح على هذا الأمر استقدمت السلطات في بنغازي خبراء من الشركة الإيطالية Prysmian وتعاونت مع شركة الكهرباء لإصلاح الكابلات الكهربائية التالفة، وأدت هذه الإجراءات إلى بعض التحسينات، حيث أعلنت الحكومة عن استعادة تدريجية للطاقة في المناطق المتضررة.
وتؤثر الانقطاعات المتكررة للكهرباء على استقرار البلاد الاقتصادي والاجتماعي، حيث تضطر الشركات التي تعتمد على الكهرباء لعملياتها إما إلى الإغلاق أو الاستثمار في مولدات باهظة الثمن، ويضع هذا الأمر عبئا ماليا على الشركات الصغيرة.
وكما تؤثر انقطاعات الطاقة المتكررة بشكل مباشر على الصحة العامة، خاصة خلال أشهر الصيف عندما ترتفع درجات الحرارة، فبدون كهرباء منتظمة لا يستطيع السكان تبريد منازلهم، وتخزين الطعام بشكل صحيح، أو تشغيل الأجهزة الطبية الأساسية، ففي المستشفيات، يمكن أن يؤدي انقطاع الطاقة لتعطيل الخدمات الطبية ويعرض حياة المرضى للخطر.
وتعتبر انقطاعات الكهرباء في ليبيا علامة على أزمة حوكمة أوسع، بينما تلعب عوامل مثل نقص الوقود والمشاكل الفنية دورا قي ذلك، فإن السبب الجذري للمشكلة يكمن في فشل السلطات الليبية التي تحكم مصفاة الزاوية في الغرب بتطوير البنية التحتية، والواضح أن هناك خلل واضح في توزيع الميزانيات الخاصة بالكهرباء بين الشرق والغرب.
وحكومة طرابلس تمتلك ميزانيات واسعة، وفي نفس الوقت تخضع لاعتبارات أمنية يجعلها تتجاهل مسألة التوزيع المتكافئ للطاقة، وهو ما يضع الشرق الليبي في وضع حرج.
ولا يمكن مقارنة الواقع بين الشرق والغرب الليبيين على مستوى توزيع الكهرباء دون العودة إلى طبيعة المؤسسات التي تحكم الدولة في طرابلس، فهي لا تحتكر السلطة فقط بل تحاول التأثير أيضا على طبيعة حياة الناس في الشرق، أو حتى في المناطق التي لا تبعد كثيرا عن طرابلس.
وفي النهاية هناك محاولة واضحة لخلق أزمات متعمدة تجعل الحكومة في طرابلس متحكمة بقدرات ليبيا وبمسار حياة الليبيين.
بقلم مازن بلال
مصرف ليبيا المركزي يطلب مزيداً من الوقت لحل أزمة السيولة بشكل كامل