الكاتب الصحفي ماهر الحاوي أكد أن دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإجبار مصر استقبال أهالي قطاع غزة على أراضيها، تُعتبر استغلالاً سياسياً ومحاولة لتفريغ إسرائيل من مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين.
وأوضح الحاوي أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، حول وجوب أن تستقبل مصر أهل غزة على أراضيها، تندرج في سياق ضغط سياسي ودبلوماسي واقتصادي يهدف إلى تحميل القاهرة تبعات الأزمة الإنسانية في القطاع، وأن الحديث عن “إجبار مصر” يعكس رغبة إسرائيلية في تحويل ملف غزة من مسألة احتلال وصراع سياسي إلى مسألة إنسانية بحتة يتم حلها عبر تهجير السكان إلى دول الجوار.
وقال الحاوي إن هذه التصريحات ليست مجرد دعوة إنسانية، بل تحمل رسائل استراتيجية: سعي لتوريط مصر في إدارة ملف التهجير، وتصدير المسؤولية عن الأزمة إلى لاعب إقليمي يُعدّ شريكاً في اتفاقية السلام، ما يتيح لإسرائيل “غسل يديها” من تبعات وجود الغزيين، مضيفاً أن هذه الخطوة تستهدف خلق رأي عام داخلي في إسرائيل وخارجه (في الولايات المتحدة وأوروبا) يُبرز أن مصر تمتلك مفاتيح الحل لكنها لا تتحرك، وبالتالي يتم الضغط عليها لفتح معبر رفح والسماح بتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها.
وأكد الكاتب والصحافي أن مصر ترفض هذه المطالب رفضاً قاطعاً، مع إدراكها لدورها المحوري ومسؤولياتها، لكنها تضع خطوطاً حمراء منذ بداية الأزمة للتصدي لأي محاولات للتهجير القسري، مشيراً إلى أن تهجير سكان غزة يرتبط أيضاً بمخططات أوسع تتضمن تهجير أهالي الضفة الغربية وفرض حلول تُخرج القضية الفلسطينية من إطارها السياسي إلى إطار إنساني يؤدي إلى تشتيت الشعب الفلسطيني.
كما تناولت المقابلة ما سمّاه المتحدث “ورقة الغاز” كأداة ضغط تستخدمها إسرائيل، إذ قال إن هناك تبادلات ومصالح اقتصادية متعلقة بتصدير الغاز وإعادة تصديره عبر مصر، وأن إيقاف صادرات الغاز سيكون على حساب إسرائيل بالدرجة الأولى لأنها بحاجة إلى التمويل والسيولة من هذه الصفقات، ورأى أن التصريحات الإسرائيلية تُعد رسالة خبيثة تهدف إلى إجبار القاهرة على تحمل عبء استقبال اللاجئين وإيجاد حلول بدلاً من أن تتحمل إسرائيل المسؤولية.
وأوضح أن ردود الفعل كانت حازمة وواضحة: الموقف الفلسطيني الرفض التام للتهجير لأنه مصيري ويُمس بمستقبل الشعب الفلسطيني، والموقف المصري الرافض تماماً لأي تهجير أو تحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة.
كما نأت الدول العربية برفض التصريحات، وصدرت بيانات قوية من وزراء خارجية الدول العربية ومؤسسات إقليمية تعبر عن إدانتهم، وأشار إلى أن مجلس التعاون الخليجي أصدر بياناً اعتبر فيه التصريحات دعوة لارتكاب جريمة تطهير عرقي، وأن السعودية جددت دعمها الكامل لمصر في مواجهة هذا النوع من الضغوط.
ورغم وجود دول عربية لها علاقات أو تعاون مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة، فإن الموقف الرسمي تجاه التهجير والاستيطان يظل ثابتاً في معظم العواصم العربية، فالقضية الفلسطينية تبقى “القضية الأولى” كما وصف المتحدث.
وأشار الحاوي أيضاً إلى استعدادات عسكرية مصرية على حدودها، مع حشد قوات ومعدات، وهو ما اعتُبر رسالة واضحة بأن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، وأن مصر “لا تحب الحرب” لكنها “مستعدة للحرب” للدفاع عن مصالحها وأمنها القومي.
واعتبر أن الدعوات الإسرائيلية المتسمة بالتهجير قد تؤدي إلى توترات إقليمية متزايدة، إذ أن محاولة عزل غزة عن محيطها الإقليمي ومقارعها من عمقها العربي قد تُفضي إلى ردود فعل شعبية ودولية قوية، وذكر أن ذلك قد يفاقم دوامة العنف في المنطقة ويهدد بتحويل النزاع المحلي إلى أزمات إقليمية أكبر، تشمل احتمالات انزلاق مواجهات واسعة، مع ذكر صلات وتأثيرات على ساحات مثل جنوب لبنان وسوريا وإيران.

ولفت أيضاً إلى ازدواجية المعايير الدولية: الدول الكبرى والمؤسسات الدولية التي وضعت مواثيق لحماية الشعوب تبدو مترددة أو متواطئة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، ما يسهم في استمرار الانتهاكات وعدم المحاسبة.
واعتبر أن إسرائيل تتصرف باعتبارها فوق هذه المعايير، وأن ذلك يعقّد المسارات الدبلوماسية ويزيد من الشعور بالإحباط لدى الشعوب العربية والإسلامية.
وصف الحاوي الموقف في غزة بأنه مأساوي للغاية، مشيراً إلى ما سماه حرب إبادة وتجويع ضد السكان المدنيين، ورفع حركة حماس مستوى استعدادها ومقاومتها في مواجهة العمليات الإسرائيلية، بما في ذلك بروتوكولات شديدة للحفاظ على الأسرى وملفهم الذي بات معقّداً ومرشحاً للتصعيد، واعتبر أن أي محاولة إسرائيلية لإخضاع الملف الفلسطيني عبر إسقاط حماس أو إزالته عن الساحة لن تكون أمراً سهلاً أو واقعياً، لأن حماس لاعب أساسي داخل المشهد الغزّي.
ومن ناحية المفاوضات، ذكر أن المسارات تتعثر، وأن تدخلات وتباينات المواقف الدولية، لا سيما الموقف الأمريكي الذي يستخدم أحياناً حق النقض أمام قرارات لوقف النار، تُعيق تقدم حلول حقيقية.
وأكد أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بعد استدعاء الوفد المفاوض في قطر من قبل واشنطن، وأن إسرائيل تُصر على شروطها ومنها رفض وقف فوري لإطلاق النار واشتراطات حول قضايا الأسرى وإنهاء وجود حماس في قطاع غزة.
واعتبر أن ما أسماه “المخطط الإسرائيلي” لا يقتصر على غزة فحسب، بل يحمل أطماعاً تمتد إلى محيط واسع، مع إشارات إلى أحلام تاريخية متطرفة تتحدث عن امتدادات جغرافية من النيل إلى الفرات، وهو ما يجعل مصر الحاجز الرئيسي أمام هذه الطموحات.
وربط الحاوي بين الخطاب الإسرائيلي وضرورة أن تُواجه القاهرة هذه المطالب بحزم، مدعومة بالوقوف العربي والدولي المناصر لحقوق الفلسطينيين.
واختتم بالتأكيد على أن استمرار الحرب وعدم وجود ضغوط دولية حقيقية لوقفها سيؤدي إلى مزيد من الخسائر البشرية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، وقد يجعل إسرائيل نفسها في موقف هزيمة داخلية نتيجة تبعات الحرب على مواطنيها واقتصادها.
واعتبر أن المشهد الدولي في تصاعد مع تزايد الاتهامات بوجود تطهير عرقي وإبادة جماعية، الأمر الذي حفّز مبادرات مدنية ودولية (قوافل ومبادرات لكسر الحصار وإيصال المساعدات) تدعم صمود شعب غزة وتدعو لوقف العدوان.
وأوضح أن أي حل حقيقي يجب أن يشمل ضغطاً دولياً ملموساً لإنهاء العنف، وضمان مستقبل سياسي للفلسطينيين يقيهم التهجير والتشريد، ويحفظ لهم حقهم في تقرير مصيرهم ضمن حل دولتي أو آليات دولية عادلة تُنهي سنوات الاحتلال والنزاع.
فقدان 60 مهاجراً في البحر قبالة سواحل ليبيا
