لعب المنتدى الليبي للحوار الوطني دوراً في تشكيل السياسة الليبية بعد 2011، لكنه واجه اتهامات بالفساد أدت لهزيمة عقيلة صالح وفتحي باشاغا أمام محمد المنفي وعبد الحميد دبيبة، وفتح أسئلة حول شرعية العملية السياسية.
وبدأت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أواخر عام 2020 بإنشاء المنتدى الليبي للحوار الوطني، المعروف رسمياً باسم منتدى الحوار السياسي الليبي، وهدفه الأساسي إنشاء إطار سياسي يؤدي إلى توحيد المؤسسات الليبية المتصدعة وتمهيد الطريق للانتخابات الوطنية.
وجمع المنتدى 75 ممثلاً ليبياً من مختلف المناطق والخلفيات السياسية، وتولى أعضاؤه التفاوض على مسار لحل سلمي للصراع، وضمان خروج ليبيا من الحرب الداخلية.
وكانت إحدى النتائج الأساسية للمنتدى إنشاء سلطة تنفيذية موحدة تحكم ليبيا خلال الفترة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات الوطنية، وتألفت من مجلس رئاسي ورئيس وزراء، لكن الكثير من التقارير تحدثت عن عمليات فساد تخللت انتخاب هذه القيادة، وظهرت شكوك في نزاهة العملية برمتها، وأثر هذا الأمر على العملية السياسية المتعثرة حتى الآن، وأدى أيضاً لتمسك عبد الحميد دبيبة الذي تولى رئاسة الوزراء بالسلطة رغم انتهاء المرحلة الانتقالية.
الجانب المظلم لنتائج جنيف
وظهرت شكوك الفساد بشأن انتخابات المنتدى لأول مرة في عام 2021 وذلك بعد وقت قصير من انتهاء المفاوضات في جنيف، وحسب تقارير متعددة فإن بعض أعضاء المنتدى عُرضت عليهم رشاوى للتصويت لصالح مرشحين محددين لمناصب قيادية، بما في ذلك منصب رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الوزراء.
ومع ظهور هذه الاتهامات طالب أعضاء مجلس النواب الليبي بإجراء تحقيق فوري في تقارير الفساد، ووجه العديد من الممثلين للنائب العام الليبي والهيئات القضائية والرقابية رسائل للكشف عن نتائج أي تحقيقات سابقة في الرشوة الموصوفة.
وكانت مطالب أعضاء مجلس النواب تحمل قلقاً عميقاً لحالة الافتقار إلى الشفافية بالتحقيق بتقارير الفساد المرتبطة بوثيقة جنيف، وأكدوا أن الصمت المستمر أثار الشكوك حول نزاهة العملية السياسية وهدد ثقة الجمهور في المؤسسات الوطنية والدولية المشاركة في عملية السلام الليبية.
وطالت مؤشرات الفساد أيضاً الهيئات الدولية التي كانت الضامن للمنتدى، والفشل في معالجة هذه القضية لا يقوض مصداقية نتائج جنيف فحسب، بل يعرض أيضاً مستقبل الانتقال السياسي في ليبيا.
ورغم ذلك بقيت الاتهامات بشأن الفساد عالقة وتشابكت مع كافة المسائل السياسية في ليبيا، وأوضحت أن الأمم المتحدة لم تكن قادرة خلال أعمال المنتدى على تجنب الضغوط الأمريكية التي أدت لنتائج محددة وحجبت لاحقاً الكثير من الحقائق حول مسار المنتدى.
صالح وباشاغا: الطموحات السياسية والسقوط النهائي
وتأثرت المسيرة السياسية لعقيلة صالح وفتحي باشاغا، وهما شخصيتان بارزتان في المشهد السياسي الليبي، بشكل كبير بفضائح الفساد التي ظهرت من المنتدى الليبي للحوار الوطني، وشكل عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وفتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق الذي يطمح إلى رئاسة الوزراء، ثنائياً اعتقد الكثيرون أنه يتمتع بفرص قوية لتولي السلطة في ترتيبات ما بعد جنيف.
وكان لدى صالح الموجود في الشرق الليبي، وباشاغا الذي يشكل شخصية قوية في الغرب، القدرة على جمع الفصائل المختلفة في ليبيا، لكن الفساد الذي ابتليت به عملية جنيف غير من المعادلة السياسية، وأبعدهما عن لعب دور فعال في المستقبل الليبي، وفي المقابل فإن وجود دبيبة في رئاسة الوزارة كان استمراراً واضحاً للفساد المستمر حتى اليوم.
وجاء الفساد ليخلق مجالاً غير متكافئ في الأدوار السياسية، حيث كانت الحوافز المالية، وليس الجدارة أو الرؤية السياسية، هي التي تحدد نتيجة عملية اختيار القيادة، وأبطلت هذه العملية شرعية التطلعات السياسية لثنائي صالح وباشاغا، كما قوضت مصداقية الحكومة الانتقالية بأكملها، ودفع الفساد الكثيرين إلى الاقتناع بأن السلطة التنفيذية الحالية ولدت من عملية ملوثة، ما زاد من تعقيد مسار ليبيا نحو المصالحة الوطنية.
إدارة منفي – دبيبة: تفويض هش
واجهت إدارة منفي-دبيبة التي خرجت منتصرة من مفاوضات جنيف مهمة شاقة تتمثل في قيادة ليبيا خلال مرحلتها الانتقالية المضطربة، وتم التشكيك في شرعيتها منذ البداية بالنظر إلى قضايا الفساد التي أحاطت بإجراءات المنتدى.
وظهر المنفي ودبيبة كثنائي عاجز عن قيادة المرحلة الانتقالية، فكسب الدعم الشعبي كان صعباً، بينما كانت آليه الحكم التي اعتمدها الدبيبة مشابهة لما حدث في المنتدى، حيث باتت المصالحة مع الفصائل مستندة إلى حجم المال الذي تم تقديمه لهذه المجموعات.
وتفاقمت هشاشة تفويض الإدارة بسبب تأجيل الانتخابات الوطنية، التي كانمقرر إجراؤها في البداية في ديسمبر 2021، إلى أجل غير مسمى بسبب التحديات الأمنية والسياسية، ولم يؤد هذا التأخير إلا إلى زيادة حالة عدم اليقين المحيطة بمستقبل ليبيا وزيادة الإحباط العام تجاه حكومة منفي الدبيبة.
الحاجة الملحة إلى الشفافية والمساءلة
إن الصمت المستمر من جانب السلطات الليبية بشأن التحقيق بالفساد، ومعالجته أمر مقلق، حيث أن الشعب الليبي الذي عانى سنوات من الصراع والصعوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي، يستحق تحقيقاً شفافاً للكشف عن الرشوة التي طغت على نتائج جنيف.
وأكد مجلس النواب الليبي على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية، وحث النائب العام وغيره من الهيئات ذات الصلة على تحمل المسؤولية في التأخر عن كشف الحقائق.
وإذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، يجب محاسبة المسؤولين عن الممارسات الفاسدة التي تشكل تهديداً لجهود بناء دولة مستقرة وديمقراطية، وبدون التزام قوي بالمساءلة، ستظل العملية السياسية في البلاد عرضة للتلاعب من قبل الجهات الدولية القوية التي مارست ضغوطاً على المنتدى في جنيف لجعل نتائجه موافقة لإرادتها.
كان من المفترض أن يكون المنتدى الليبي للحوار الوطني وسيلة لتقريب ليبيا من السلام والوحدة بعد سنوات من الصراع، لكن عملية الفساد شوهت نتائج المنتدى وساهمت في الهزيمة السياسية لثنائي صالح وباشاغا، والتحقيق في هذا الموضوع هو المخرج الوحيد لتكريس الشرعية في ليبيا، وإعادة بناء الثقة بين الليبيين ومؤسسات دولتهم.
بقلم نضال الخضري
الدبيبة يؤكد تمسكه بمنصبه حتى انتخابات شرعية